بيت اللسانيات بيت اللسانيات

آخر الأخبار[cards]

جاري التحميل ...

نقد دي سوسور للغة الفرنسية في كتابه "دروس في اللسانيات العامة" | نوار عبيدي

 نقد دي سوسور للغة الفرنسية في كتابه "دروس في اللسانيات العامة"  

 الدكتور نوار عبيدي

 المقدمة

يُعدّ فردينان دي سوسور من الأسماء المؤسسة لعلم اللسانيات الحديث، وقد شكّلت محاضراته التي جُمعت بعد وفاته في كتاب *"دروس في اللسانيات العامة"* نقطة تحوّل جذرية في التفكير اللغوي الغربي. لكن ما لا ينتبه إليه كثير من الدارسين هو البعد النقدي الذي وجّهه دي سوسور تجاه اللغة الفرنسية ذاتها، لغة الكتاب والمجال الثقافي الذي نُقل فيه فكره. وفي هذا السياق، تأتي محاضرة الدكتور نوار عبيدي لتسلّط الضوء على موقف سوسور النقدي من اللغة الفرنسية، متجاوزة القراءة السطحية التي تعتبره ممجّدًا لها أو منحازًا ضمنًا لهيمنتها. فكيف ينتقد دي سوسور لغته القومية؟ وما أبعاد هذا النقد؟ وما تأثيره على النظريات اللسانية الحديثة؟

 أولًا: اللغة الفرنسية إشكال لساني

ينطلق الدكتور نوار عبيدي من فرضية أن دي سوسور لم يتعامل مع الفرنسية بوصفها "نموذجًا مكتملًا"، بل اعتبرها لغة تعاني من التباسات لسانية وإشكالات تاريخية. إذ يرى سوسور أن اللغة الفرنسية تمثل شكلًا من الانحراف عن منطق التطور الطبيعي للغات الهندوأوروبية، نظرًا لتأثيرات التدوين والسلطة والمؤسسات التعليمية التي حدّت من تطورها الشفهي الحر.

ثانيًا: التمييز بين "اللغة" و"اللسان" كأداة للنقد

في قلب مشروع سوسور اللساني نجد التمييز الشهير بين اللغة (langue) والكلام (parole)، وهو تمييز لم يكن نظريًا فحسب، بل كان وسيلة لنقد آليات اللغة الفرنسية التي تسعى لفرض نموذج موحَّد وثابت للسان، متجاهلة التعدد اللهجي والبعد التداولي للكلام. بحسب د. نوار عبيدي، فإن هذا التمييز يحمل في طيّاته رفضًا ضمنيًا لفكرة "اللغة النموذجية" التي سعت فرنسا لتكريسها في مؤسساتها.

ثالثًا: نقد المركزية الفرنسية

يشير د. نوار إلى أن سوسور لم يكن مرتاحًا للمركزية التي تمنحها الثقافة الفرنسية للغتها، حيث تَحوَّلت الفرنسية إلى لغة معيارية، "تقيس" بها باقي اللغات وتُخضعها لمعاييرها الخاصة. بل إن سوسور كان يُلمح إلى ضرورة دراسة اللغات في سياقاتها الخاصة، بما فيها اللغات غير الأوروبية، وهو ما يجعله سابقًا لعصره من حيث الانفتاح على التعدد اللغوي.

رابعًا: نقد البعد الإملائي والصوتي في الفرنسية

من أبرز ملامح النقد السوسوري للفرنسية ما يتعلّق بالمسافة بين الكتابة والنطق. فقد كان سوسور يُعبّر عن انزعاجه من النظام الإملائي للفرنسية، الذي لا يعكس البنية الصوتية الحقيقية للكلام. وهذه المسافة بين الرسم والنطق تعيق — حسب د. نوار عبيدي — قدرة الباحث اللساني على رصد الظواهر اللغوية بدقة، وتدلّ على أن الفرنسية ليست لغة "شفافة" من حيث العلاقة بين الشكل والمضمون.

خامسًا: أثر هذا النقد في اللسانيات المعاصرة

يؤكد د. نوار أن هذا الموقف النقدي تجاه الفرنسية ترك أثرًا بالغًا في تطور المدرسة البنيوية ومن بعدها ما بعد البنيوية، إذ أصبح مفهوم "الاعتباطية" في العلاقة بين الدال والمدلول أساسًا لفهم الظواهر اللغوية بعيدًا عن التصورات القومية أو المثالية للغة. وهكذا فإن نقد سوسور للفرنسية مهّد الطريق لتفكيك أساطير اللغة النموذجية، وفتح الباب أمام دراسة لغات "الهامش" باعتبارها ذات مشروعية علمية كاملة.

 الخاتمة

لا يمكن اعتبار دي سوسور مجرّد مؤسّس للغة البنيوية، بل هو أيضًا ناقد ضمني للغة الفرنسية بصفتها نسقًا مقنّعًا بالتفوق. وهذا ما أبرزه الدكتور نوار عبيدي في قراءته الدقيقة والمختلفة. فقد كشف لنا أن دي سوسور، رغم عمله في سياق فرنكوفوني، لم يتردّد في فضح العيوب البنيوية والإيديولوجية للغة الفرنسية. وبالتالي، فإننا أمام دعوة لسانيّة لاستعادة التعدد والانفتاح، والتحرر من المركزيات اللغوية والثقافية.

 توصيات

1.  توسيع دائرة دراسة كتاب "دروس في اللسانيات العامة" لتشمل الأبعاد النقدية تجاه الفرنسية، وليس فقط الجوانب النظرية العامة.

2.  إعادة التفكير في حيادية اللسانيات الغربية، والنظر في الخلفيات الثقافية التي تنشأ فيها مفاهيمها.

3.  تشجيع الدراسات المقارنة التي تضع اللغة الفرنسية في مواجهة مع لغات أخرى، خاصةً من حيث البنية والتاريخ والتداول.

4.  تطوير الخطاب النقدي العربي تجاه اللغة الفرنسية، خاصةً في السياقات التعليمية والإعلامية.

5.  تبنّي رؤية دي سوسور النقدية كأداة لفهم إشكالات اللغة في العالم المعاصر، بما فيها اللغات التي ما تزال تعاني من التهميش.

عن الكاتب

بيت اللسانيات | Bitlisaniyat

التعليقات

تعليق


اتصل بنا

من أجل البقاء على تواصل دائم معنا ، قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في موقعنا ليصلك كل جديدً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

بيت اللسانيات

2025