تقرير المحاضرة العلمية:
" الدرس الصوتي العربي بين الأصالة والحداثة"
إعداد: الأستاذ حسن مدان
بسم الله الرحمن الرحيم
نظم فريق باحثون بأكاديمية "بيت اللسانيات الدولية (تركيا)"- عبـر تقنية التحاضر عن بعد، وعبــر مواقعها التواصلية، يوم السبت 04 يناير 2025م على الساعة 17:00 بتوقيت المغرب والجزائر وتونس. وعلى الساعة 19:00 مساءً بتوقيت مكة المكرمة - محاضرةً علمية في موضوع " الدرس الصوتي بين الأصالة والحداثة" للأستاذة حنان وحدي علوي (حاصلة على الدكتوراه في اللسانيات، ومُدرسة للغة العربية بالثانوي الإعدادي).
بِدايةَ؛ ألقى الأستاذ "مسعود طارق"، عضو فريق بيت اللسانية الأكاديمية الدولية" – كلمة ترحيب بأعضاء الفِرَقِ جميعِها، وبالحضور الكريم، وبـالدكتورة: حنان وحدي علوي"؛ مُبَيّناً إنجازاتها ومشاركاتها العلمية (ندوات، مؤتمرات، مقالات، إلخ).
قَدَّمَتْ الأستاذة " حنان وحدي علوي"، في كلمتها الأولى، الثناء والشكر لــبيت اللسانيات وأعضائها على مجهوداتهم في التواصل الإنساني واللساني. مشيرةً إلى المحاور الرئيسة للمحاضرة:
المحور الأول: الإرهاصات الأولى لنشأة الدرس الصوتي عند العرب.
المحور الثاني: مراحل نشأة الدرس الصوتي العربي ومظاهرها.
المحور الثالث: الدرس الصوتي العربي الحديث في ضوء اللسانيات المعاصرة.
أشارت الأستاذة، في البداية، إلى أن "الصوت ظاهرة لغوية مهمة. والوجود المادي للغة يتحقق بنطقها، فهو المادة الأولى للدراسات اللسانية، وقد فطن العلماء لأهميته منذ زمن بعيد، فبدأوا بالاهتمام بدراسة أصوات اللغات وما يتعلق بها عبر العصور، وخاصة الأقوام التي لهم علاقة وطيدة بالدين مثل الهنود، والعرب. فنشأة الدراسة الصوتية عندهم رهين بحماية المقدسات (النص الديني)".
لقد كانت الدراسة الصوتية وسيلة لحفظ التراث الديني. فالهنود (المدرسة الهندية)، مثلا، من أقدم المدارس اللغوية التي درست لغتها السنسكريتية من أجل كتابهم المقدس. حيث قام بعض علماء الهند بالوصف الدقيق للأصوات.
تناولت الدكتورة في المحور الأول " الإرهاصات الأولى للدراسات الصوتية عند العرب"، قائلة: " إن نشأة الدرس الصوتي العربي مرتبط بعدة أسباب، أهمها السبب الديني: حماية القرآن الكريم بسبب انتشار ظاهرة اللحن(الخطأ) في القراءات القرآنية". وأشارت، أيضا، إلى أن المستشرقين يؤكدون مَسْألةَ السَّبقِ لدى العرب في دراسة علم الأصوات ".
كما أن الأستاذةَ؛ تطرقتْ إلى أَوَّلِ محاولةٍ في الدرس الصوتي العربي، والتـي تعود، بالأساس، إلى أبي الأسود الدؤلي، حيث دفعته الأخطاء النطقية التـــي سمعها ترتكب في قراءة القرآن الكريم إلى نقط المصحف الكريم من خلال رموز تقي القارئ من الوقوع في "اللحن". وفي ذلك روايةً في نقط الحروف لأبي الأسود الدؤلي (ضم الحرف، وفتحه، وكسره، وتنوينه).
لقد ركز أبو الأسود الدؤلي على "حركة الشفتين"، وهذا أمر مهم في الدراسات الصوتية الحديثة؛ لأنه وصف قائم على "الملاحظة والدقة". وبتعبيـر آخر، فإن البدايات أو الارهاصات الأولى للدراسات الصوتية عند العرب القدماء كانت وصفية فيزيولوجية تقوم على الملاحظة الذاتية والتجربة الذاتية.
وبذلك، فإن الأبحاث الصوتية العربية القديمة في نظر المستشرقون هي أبحاث نفيسة وقيمة، لا يمكن إنكار دورها في تطور البحث الصوتي. ويمكن إبراز هذا الدور من خلال المحور الثاني.
انتقلتْ في المحور الثاني للحديث عن جهود علماء العرب في الدرس الصوتي من خلال مرحلة التأسيس إلى مرحلة النضج (من القرن الأول إلى القرن الخامس للهجرة). مبينة دور علماء المعاجم العربية وعلماء النحو العربي، والبلاغة والفصاحة والقراءات القرآنية وفي الطب والفلسفة العربية القديمة.
فمثلا في المعجم، نجد الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي كان له السبق في تأليف المعاجم من خلال ترتيب الأصوات كما صرح بذلك في مقدمة معجمه "العين".
لقد نهج الخليل بن أحمد الفراهيدي، منهجا تصنيفيا يقوم على التقليبات الصوتية وترتيب الأصوات بالاعتماد على مخارج الحروف (تذوق الحرف، نطقه، تقدير موضعه). فخلص إلى أن مخرج كلام العرب من الحلق، فبدأ معجمه بصوت "العين"؛ لأنه أعمق حرف في الحلق.
أشارت الدكتورة، في خضم حديثها عن الخليل بن أحمد الفراهيدي، إلى أنه (الخليل) استعمل، في وصف مخارج الحروف، تقنيةً فيزيولوجية عقلية.
وإضافة إلى جهود الخليل، لا يمكن إغفال، أيضا، جهود علماء النحو من أمثال سيبويه (عالم لغوي) في مؤلفه "الكتاب". حيث عالج ظواهر صوتية من قبيل "الإدغام"، والذي يُفَسَّرُ انطلاقا من معايير ومقاييس صوتية كــالتخفيف، والاشتراك في الصفة، والاشتراك في المخرج، والتقارب في الصفة أو المخرج. وعليه، فالإدغام، حسب ما خلصت إليه الدكتورة، ظاهرة صوتية صِرفَةٌ.
أبرزتْ الأستاذة دور الجاحظ- (عالم في البلاغة والفصاحة والأدب) - في وصف الخصائص النطقية للأصوات من خلال حديثه عن مرض اللثغة في قصة طريفة قديمة. معتبـرا أن الحروف التــي تدخلها اللثغة هي (القاف، والسين، والراء، واللام) ويمكن التفصيل في ذلك من خلاله كتاب "البيان والتبين" للجاحظ، الجزء الأول، الصفحة 15.
أدَّتْ الاختلافات الصوتية واللهجية بين لغات قبائل العرب، ونزول القرآن الكريم بسبعة أحرف إلى ظهور الدرس الصوتي.
وبيَّنتْ الدكتورة، أن المراد من هذه الأوجه السبعة، للقراءات القرآنية هو التعدد والتوسع. فمثلا، كلمة "الصراط" تأتي على لغات "السراط" و"الزراط" وذلك بسبب اختلاف اللهجات والنطق عند العرب القدماء. ورغم هذه الاختلافات في القراءات القرآنية فإن المعنى الرباني يبقى محفوظا.
وهذا ما جعل علماء القراءات القرآنية يتناولون ظواهر صوتية مثل الإدغام، والفتح، والإمالة من بين ظواهر أخرى عديدة.
أشارت الأستاذة إلى أن الدرس الصوتي العربي نُضُجَ على يد أبو الفتح عثمان بن جنـي"، حيث يُعْتَبَــرُ، من ناحية، هو الأول من أطلق علم الأصوات والحروف على الدرس الصوتي. والمجدد للدرس الصوتي العربي من ناحية أخرى. وذلك من خلال كُتبه "سر صناعة الإعراب" و"الخصائص" وغيرها؛ حيث وصف جهاز النطق عند الإنسان، وشبهه بــالناي من حيث المخرج والترتيب والصفات الصوتية.
لقد تجاوزَ ابن جنــي مرحلة التأسيس إلى مرحلة التفصيل والتنظير. فنظريته للأصوات العربية نظرية متكاملة استفاد منها الدرس اللساني الحديث.
لا يمكن أن نغفل ما قدمه فلاسفة العرب في علم الأصوات. فمثلا، تُعتبر دراسة ابن سينا للأصوات دراسة فيزيائية من خلال عملية تشريح الحنجرة ووصف مخارج الحروف، وخيـر ما يؤكد ذلك كتابه "رسالة في أسباب حدوث الحروف".
لقد تمكنتْ الدكتورة "حنان وحدي علوي" من السفر بنا إلى القرن الأول الهجري(أبي الأسود الدؤلي)، ثم إلى القرن الخامس الهجري(ابن سينا)؛ مبــرزة جهود علماء العرب في الدرس الصوتي العربي ومراحل نشأته. ومستَدِلَّةً بأقوال المستشرقين الذين يعتبــرون الأبحاث الصوتية العربية بمثابة لبنة أساسية في تطور الدرس اللساني الصوتي الحديث والمعاصر.
أما المحور الثالث والأخيـــر فقد تناولت فيه الأستاذة أهم المشاريع العلمية اللسانية في إصلاح الدرس الصوتي. حيث وجد العربُ أنفسهم، اليوم، أمام تيارين: تيار حداثي يقطع الصلة مع التراث، وتيار محافظ يربط القديم بالحديث.
وعليه، فإن تطور "علم الأصوات" في القرن العشرين يعود بالأساس إلى ظهور أجهزة علمية ومختبرات تقوم على دراسة الصوت وتفسير تنوعاته. كما أنه تم الاستفادة مما قدمه رائد اللسانيات "فرديناند دي سوسير".
عندما نتحدث عن الدراسات الصوتية العربية الحديثة؛ فإنَّ أغلب تلك الدراسات مُبَـرَّرَةٌ بما استفادَهُ أولئك الدراسون العربُ(عبد الراجحي، داوود عبده، إبراهيم أنيس، شاهين عبد الصبور، وآخرون) من الدراسات الغربية عن طريق الترجمة بالخصوص.
اختتمتْ الدكتورة محاضرتها العلمية بقولها: " إن الدرس الصوتي العربي يحمل في طياته طابعي الأصالة والحداثة، فـلأصالته جذورا ضاربة في عمق التراث اللغوي العربي القديم، حيث حمل هؤلاء العلماء الذين أوردناهم (أبو الأسود الدؤلي، الخليل، سيبويه، ابن جني، الجاحظ، الكندي، الفارابي، ابن سينا، وآخرون) في هذه المحاضرة عاتق البحث في الأصوات من حيث مخارجُها وصفاتُها، وعلاقاتها؛ خدمةً للنص القرآني وللغة العربية.
وأما حداثة الدرس الصوتي؛ فتتجلــى في كونه يعد مستوى هاما من مستويات التحليل اللساني، أرسى معالمه "فرديناند دي سوسير" مع مطلع القرن العشرين إلى أن أصبح علما قائما بذاته مستقلا بعد الاستفادة من الآلات والأجهزة والمختبـرات العلمية (قياس الأصوات، والترددات، إلخ).
إذنْ، لقد استطاع العرب القدماء تقديم نظرية عربية متكاملة للأصوات؛ منهجاً ومادةً تقوم على الدقة والذكاء.
صراحةً، لقد شَهِدَ هذا اللقاء العلمــي تفاعلا من طرف المتدخلين بأسئلتهم واستفساراتهم؛ مما يبــرز أهمية الدرس الصوتي والقضايا التــي يعالجها مثل الفرق بين الصوت والحرف، والاختلافات الصوتية بين القبائل العربية، بل بين البلدان العربية، إلخ).
تعليق