بيت اللسانيات بيت اللسانيات

آخر الأخبار[vcover]

جاري التحميل ...

تعليق

السيميائيات بين النموذج اللغوي والمنحى الموسوعي

                                                    


السيميائيات بين النموذج اللغوي والمنحى الموسوعي


الدكتور عبد الواحد المرابـط


        نظم فريق اللسانيات والإنسانيات بأكاديمية بيت اللسانيات الدولية محاضرة علمية في موضوع: السيميائيات بين النموذج اللغوي والمنحى الموسوعي، من تقديم وإدارة الأستاذ عبد الحكيم مومني، وتقرير الأستاذ عبد الهادي اباغانم، على الساعة السابعة مساءً بتوقيت المغرب- التاسعة بتوقيت مكة المكرمة، بتاريخ 17 ماي 2024

       استهل الأستاذ المسير عبد الحكيم مومني المحاضرة العلمية ترحيبا بالدكتور عبد الواحد المرابط وتقديم الشكر له على قبول الدعوة باسم إدارة بيت اللسانيات الدولية وباسم فريق اللسانيات والانسانيات. بعد ذلك قدم مسير المحاضرة ورقة تعريفية موجزة بالدكتور المحاضر وببعض أعماله وبعض المناصب العلمية التي يشغلها، ثم بعد ذلك شكر الدكتور المحاضرُ كافة الفاعلين والقائمين على بيت اللسانيات ولفريق اللسانيات والانسانيات على الدعوة الكريمة.

                  بعد ذلك قدم لمحة تعريفية عن السيميائيات بشكل عام بوصفه علما شموليا معاصرا، ثن تحدث عن مصادرها وعن التصورات العامة المرتبطة أساساً بها وبتأسيسها، إذ أشار إلى أربعة مصادر تأسيسية حددها -أولا- في الفلسفة التداولية للفيلسوف الأمريكي شارل ساندرس بورس حين وضع في بداية القرن العشرين الأرضية الإبستمولوجية المنهجية والمفهومية لعلم عام يدرس جميع أنواع العلامات سماه سميوتيك.

                  أما المصدر الثاني فاللسانيات البنيوية التي شيدها عالم اللغة السويسري دي سوسير في بداية إمكانية تأسيس علم عام سماه سيميولوجي، يدرس جميع العلامات اللغوية منها وغير اللغوية.

                  بعد ذلك انتقل إلى المصدر الثالث الذي لم يُذْكَرْ فيه مصطلحُ السميائيات، ولكنها مع ذلك مصدرً من مصادره التأسيسية، يتعلق الأمر بفلسفة الأشكال الرمزية التي بلورها الفيلسوف الألماني ارنست كاسيرير حين وضع -في أواسط القرن العشرين- تصورا عميقا حول الأنساق الرمزية التي يستعملها الإنسان ويعيش بها وداخلها والتي تحدده بصفته حيوانا رامزا حسب تعبيره.

                  ثم المصدر الرابع الذي تمثل في أعمال "موسكو طاغتي" التي تسمى عادةً سميائيات الثقافة، تتعلق بدراسة الثقافة على أنها أنساق سيميائية وظيفية قائمة على التفاعل وعلى التعالق.

 وفي المصدر الخامس لم يذكر مصطلح السميائيات، يتعلق الأمر بأبحاث فلسفة اللغة والمنطق، السائدة في التقاليد الأكاديمية الإنجليزية والأمريكية في منتصف القرن العشرين وما بعده، إلا أنها قد تبلورت انطلاقا من تصورات أصحاب المنطق الرمزي (أصحاب مدرسة فيينا) إذ تمخضت عن هذه التقاليد الفلسفية نظريات لسانية تداولية سرعان ما تقاطعت مع تصورات الأمريكي بورس توسعت مع تصورات الأمريكي شارل موريس لتفضي إلى مبحث سيميائي شمولي عام للعلامات.

لقد بيّن الدكتور المحاضر أن هذه هي المصادر التي يمكن الحديث عنها بخصوص تأسيس السيميائيات المعاصرة، كما أكد أن هذا التأسيس الخماسي الذي عرفته السيميائيات جعلها تنفتح بعد ذلك على ماضي المعرفة الإنسانية ومستقبلها؛ انفتحت على الماضي من خلال إعادة تدوير معطيات معرفية من التراث الغربي والعربي ومن عصر النهضة وعصر الأنوار حتى أصبحنا نرى من يتحدث عن السيميائيات القديمة من قبيل سيميائيات أرسطو وسيميائيات الجاحظ أو سيميائيات لايبنتز أو سيميائيات القديس اوغستون أو سيميائيات جون لوك وغيرها...

وقد أكد على أن السيميائيات استطاعت العودة إلى معطيات معرفية هامة من حقول فلسفية وبلاغية لتعيد تحويرها وصياغتها صياغة جديدة من المنظور الجديد، وكذلك تأكيدها انفتاحَها على المستقبل لأنها تضمنت عناصر قابلة للتطوير والتجديد، حيث ظهرت ضمنها اجتهادات عمقت أطروحاتها ووسعت آفاقها فتبلورت ضمنها اتجاهات فلسفية كبرى امتدت بها إلى حقول ومجالات متعددة ومتنوعة، منها على الأقل ما يعرف بسميائيات التواصل أو الاتجاه السيميائي التواصلي أو الاتجاه السيميائي الدلالي أو الاتجاه السيميائي التداولي أو الاتجاه السيميائي الثقافي... أحال الدكتور بهذا الصدد إلى كتابات مدخلية تعرض لهذه الاتجاهات أو لبعضها من مثل الكتابات التعليمية للأستاذ مبارك حنون وكتاب للأستاذ أنور المرتجي، وكتاب تعليمي للأستاذ سعيد بنكراد... كما أحال أيضاً على كتاب له عنوانه: الاتجاهات السميائية الحديثة؛ مدخل إلى أنساق التواصل والدلالة والمعنى والثقافة.

وبهذا قد حدد الموضوع العام لهذه المحاضرة مشيرا إلى أن اللسانيات بشكل أو بآخر هي المحدد الأساس للسيميائيات، إذ أضحت اللغة أداة الوصف والاكتشاف السيميائيين، وأكد أنه بين النموذج اللغوي والمنحى الموسوعي إشكالية هي محور المحاضرة: كيف تكون السيميائيات مرتبطة أوثق ارتباط باللسانيات ونموذجها اللغوي وتكون في نفس الوقت علما شموليا يلتهم كل مجالات المعرفة اللسانية وميادينها وحقولها؟ كما طرح بعد ذلك هذا السؤال: ماذا نقصد بالنموذج اللغوي الذي يتعلق بنسق من المقولات المتعالقة في ما بينها والتي تقدم فهما منظماً للظاهرة اللغوية وفق منظور منسجم باعتباره يتميز بالتجريد والتعالي حيث لا تشكل الظاهرة اللغوية المتحققة في الواقع بقدر ما تشمل تجليا من تجلياته؟

                  عند الحديث عن النموذج اللغوي على الإطلاق والتعميم فإننا نقصد مجموع التصورات والأسس اللسانية التي تقدم فهما بالظاهرة اللغوية، والتي قد تنقل بواسطة القياس لفهم ظواهر أخرى غير لغوية تشبه الظواهر اللغوية في بعض الجوانب، في حين إذا كان النموذج اللغوي أقل تجريدا من النموذج الرياضي وأكثر اتساقا بالظاهرة اللغوية، فكيف تمكن من اقتحام مجالات لغوية وظواهر أخرى غير لغوية وغير لسانية؟ لماذا لم يبقَ هذا النموذج اللغوي سجيناً لتجربة لسانية داخل علم اللغة كما كان حال نماذج أخرى كنموذج النحو العربي القديم الذي ظل ملتصقا بالظاهرة اللغوية التي كانت آنذاك تشكل موضوع النحو ولم تكن لها إمكانيات ولم تمتد إلى مجالات أخرى؟

هذه الإشكالات تدفعنا إلى التذكير بأن اللسانيات الحديثة تسير في منحى آخر هو التعميم؛ أي أن جميع علوم اللغة كانت مرتبطة بلغتها المحلية كاللغة اليونانية التي ظلت مرتبطة آنذاك باللغة اليونانية ولم تتجاوزها.

وقد أكد الدكتور المحاضر عبد الواحد المرابط أن الإطار المعرفي الذي اعتمده علماء اللغة في القرن العشرين وما بعده هو اللسانيات العامة، وبهذا التوصيف جاءت عناوين كتبهم؛ فدروسهم ومحاضراتهم تحمل هذا عنوان (اللسانيات العامة). واللسانيات حسب الدكتور عبد الواحد المرابط في سياق بحثها عن النظرة الشمولية لموضوعها أدركت أن دراستها للغة يمكن أن توازيها دراسات أخرى لأشكال تعبيرية أخرى، لأجل ذلك ظهرت إمكانية علم عام هو علم السميائيات الذي يدرس جميع أنواع الأنساق الدلالية في المجتمع الإنساني. وبما أن اللغة هي أكثر الأنساق الدلالية تعقيداً وأكثرها ارتباطاً بالإنسان، فقد عدها النموذج اللغوي منطلقا لدراسة الأنساق الأخرى غير اللغوية، وظل هذا النموذج اللغوي طيِّعاً يتكيف مع خصوصيات المجالات التي ينقل إليها دون أن يفقد ملامحه اللسانية الأصلية، ولذلك فطريقة استعماله تختلف حسب النظريات والاتجاهات والفروع السيميائية؛ فإذا كانت هناك اتجاهات سيميائية لا تنطلق من النموذج اللغوي، فهي لابد أن تجده في طريقها بشكل أو بآخر، هذا في ما يتعلق باللسانيات وبنموذجها اللغوي.

أما في ما يتعلق بمنحاها الموسوعي أشار الدكتور المحاضر إلى حيثيات هذا الاتجاه الذي أصبح شموليا يتخذ طابع التوسع باعتباره منطقا عاما يدرس الطبيعة الشمولية الجوهرية لكل سيميوزيس ممكن حسب بورس.

والسيميوزيس ليس هو العلامة في حد ذاتها، لكنه حركتها وطريقة اشتغالها وطريقة إنتاجها للدلالة، وكذلك هي في نظره تتضمن فروعاً ثلاثة تمثلت هي: الفرع التركيبي والدلالي والتداولي؛ التركيبي أو النحوي -كما سماه- يدرس الأبعاد التركيبية، والفرع الدلالي يدرس الأبعاد الدلالية للسيميوزيس، ثم البلاغة التي تمثلت في البعد التداولي، فهي تدرس طريقة استعمال هذا السيميوزيس.

وقد أعطى الدكتور المحاضر مثالاً لأحد رواد المنحى الموسوعي في شخص جوليا كريستيفا التي اتجهت في نفس هذا الاتجاه معتبرة السميائيات علما ونقدا للعلم في نفس الوقت؛ هي من الناحية الأولى جزء من العلوم لأن لها موضوعها الخاص، ومن جهة ثانية تحتفظ بمسافة نظرية تمكنها من التفكير في الخطابات العلمية أيضا، لذلك ارتأت كريستيفا أن تكون السميائيات الرافعة التي توجه العلوم للمعرفة.

 ثم أشار إلى رولان بارت الذي رأى السميائيات فرعا من اللسانيات، وأن التحليل السيميائي داخل اللسانيات لن يمسك بموضوعاته (أي بالنسق اللغوي) إلا من خلال ترجمتها إلى أنساق لغوية؛ فالتحليل السيميائي لن يمسك بترجمتها إلا باللجوء إلى النسق اللغوي، فلم يجعل بارت السميائيات فرعاً من اللسانيات إلا ليتوسع بهما معاً إلى أبعد الحدود، هذه النظرة الموسوعية موجودة أيضا في تصور امبرتو إيكو الذي تبنى نفس الرؤية.

 ثم ذكر الدكتور نقطة هامة هي أن السيميائيات علم شمولي قائم على التقاطع المعرفي دون أن يفقد وحدته لأنه يركز في نفس الوقت على علم قائم هو اللسانيات يرى أنه إذا اعتبرناها نقطة ضعف السيميائيات فهي أيضا نقطة قوتها من منظور آخر، ليؤكد على أن أيَّ تعريف للسميائيات لابد أن ينطلق من بعدها الموسوعي الذي يجعلها في نفس الوقت علما من هذه العلوم وعلما مساعداً لهذه العلوم وعلما فوقيا يحرك هذه العلوم جميعاً.

 من الضروري إذن النظر إلى السميائيات بصفتها بنية معرفية شاملة كما لا يمكن لتعريف السيميائيات أن يتجاهل اعتمادها على اللسانيات وارتكازها على النموذج اللغوي الذي تستضيء به مختلف الأنساق الدلالية ومختلف أنساق المعنى الذي يمده بمكونات التصنيف والتحليل والتنظير.

                  ختم الدكتور المحاضرة العلمية بتجديد شكره لجميع المتابعين على حسن تتبعهم وتفاعلهم، ليطرح الأستاذ المسير عبد الحكيم مومني تساؤلات الحضور ليجيب عنها الدكتور.

                  وفي الختام تجديدُ الشكر للدكتور باسم بيت اللسانيات الدولية وباسم رئيس فريق اللسانيات والإنسانيات وفريقه.

تقرير: ذ. عبد الهادي اباغانـم

عن الكاتب

بيت اللسانيات

التعليقات


اتصل بنا

من أجل البقاء على تواصل دائم معنا ، قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك موقعنا ليصلك كل جديدً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

بيت اللسانيات