قراءة في بيت شعري يقول فيه الشاعر:
"مالي أرى الشمع يبكي في مواقده؟ *** أمن حرقة النار أم من فرقة العسل"
______________________
لو تأملنا قول الشاعر وجدانيا وفلسفيا لذهبنا مذهبين في آن واحد؛ فقد يوجع المرء نفسه بما يقاسيه من مكامن داخلية تحرك مشاعره نحو العالم الخارجي، وهنا نامس شاعرية البيت من خلال تمازج الصورة اللفظية مع الصورة الشعرية في تجانسية غريبة بين المعنى ولا معنى وكأن الدال الذي يشير إليه يحيل إلى مدلول آخر لا علاقة للأول بالثاني إلا من حيث كون الثاني صورة تعبيرية تجسيدية عن الثاني. إن التداخلية في معنى المعنى كونت لنا صورة جمالية مثلت في الشمع صورة سيميائية معبرة عن الفرد بأحاسيسه الوجدانية وبكماله العقلي وكأننا أمام صورة مشهدية تجسدت في مخيال الشاعر بتشبيه للشمع حين ذوبانه بالفرد حال إنفطاره وقد ينفطر القلب لعدة أسباب نحصيها مجازا ولكن لا نقدر على ذكرها حقيقة تختلف باختلاف كوامن الفرد ورؤاه وأفكاره وتصوراته.
ولكن إن قصد الشاعر بسؤال إثارة التفكير وتحريك البنية العقلية العميقة كما أشار إليها تشومسكي فهل الإنسان المكنى بتعبيره المجازي ينفطر لفرقة الأحباب أم لشدة ما قاسى منهم؟
لنرى مكمل الجواب في الجواب، قد يبدو الأمر غريبا ولكن هذه الحقيقية الميتافيزيقية المتجسدة في ميتالسانية البيت وهي في كون الجليس والصاحب الذي نصحبه قد يكون صاحب سوء نرى من خلاله الدنيا بعالم آخر ولكن في الوقت ذاته قد يكون ذلك دالا وعلامة على أن أرواحنا تذوب وتنفط وكأننا نستنزف طاقة من مصاحبة ذلك الجليس السيء الذي لا يفيد بقدر ما يهدم، والذي يمثل العدد صفر بالنسبة للشخص فلا يغنيك وفي مكان ما يكون عددا اضافيا فاعلا كان عددا هادما لكل ما بناه الشخص محرقا له وذلك الإحراق إن أبصرت فيه وجدته وجدانيا من جهة وإن قرأته من جهة ضمنية نصية يتبين لك معنى المعنى والمقصود آنفا وكأنها البنية العميقة التي سعى النص إلى إظهارها فحين أن النص في حد ذاته قد يقصد معنى ظاهري وهو فراق الأحبة والوجع الذي يحدثونه عند رحيلهم، فلو أولنا المعنى الأول هكذا لكان القصد من جنس اللفظ وقد نؤول ذلك المعنى بقصد مؤول ثاني وهو في كون الثاني علامة على الأول وهو أن لا تحرق نفسك في سبيل من أحببت ولا تحمل نفسك فوق احتمالها طمعا في شهد العسل الذي أضناه لهيب الشمع.
بالله عليك تمهلْ
كل الأحبة ترحلْ
لم يجبْ
صل صلوات الوداعِ
على عجلْ
ورحلْ
فلا أهلا بمن رحلْ
رحليكم زادٌ لنا
كالشهدِ نحن
لا عسلْ
سهام زرهوني / الجزائر
تعليق