تقرير لمحاضرة: النقد الأدبي باعتباره قراءة
افتُتِح اللقاء بكلمة ترحيبية من
منسق فريق اللسانيات والإنسانيات، رحب خلالها بضيفة الحلقة وشكرها على تلبية
الدعوة، كما رحب بالحاضرين والمتابعين من الباحثين، معربا عن سعادة أسرة بيت
اللسانيات باستضافة علم بارز في سماء النقد الأدبي المعاصر في الساحة العربية،
الناقدة يمنى العيد، مستغلا الفرصة لسرد سيرة موجزة لأهم أعمال الدكتورة
وإنجازاتها العلمية والنقدية والأدبية، مخصصا في نهايتها كلمة شكر خاصة للدكتورة
ليلى (ابنة الدكتورة يمنى العيد) على تنسيقها للقاء.
بعدها تناولت الكلمة الدكتورة يمنى
العيد، وأكدت في بدايتها سعادتها في ضيافة بيت اللسانيات، للمساهمة بمحاضرة في
النقد الأدبي، لتبسط الكلام بعد ذلك في محاور المحاضرة. وقد كانت مناسبة ليستمتع
الباحث المتخصص بمأدبة أدبية، استعرضت الدكتورة خلالها عددا من المحاور والمفاهيم بالغة
الأهمية.
أكدت يمنى العيد في البداية أنها
ستقدم ما يشبه بانوراما لمسار النقد العربي، إذ لاحظت أن النقاد في فترة السبعينات
والثمانينات تأثروا بالبنيوية، فراحوا يقلبون في شكل الأدب متغافلين عن المعنى،
ولم ينتبهوا إلى أن الأدب "تواصل" إلا في فترة التسعينات، خاصة مع بداية
الاهتمام بالتأويل، الذي يعد قراءة علمية متأنية موضوعية بعيدة عن الذاتية والآراء
العجولة.
ثم انتقلت إلى مفهوم محوري في مداخلتها
وهو مفهوم القراءة، وقد تناولته من منظور نقدي، وهنا أكدت أن القراءة ليست مجرد
تلق سلبي للأدب، أو مسايرة لسلطة النص، بل هي تفاعل إيجابي للقارئ، وإن تغييب هذه
المحاورة والفاعلية هو تغريب للأدب ككل. تراهن الناقدة على القراءة النشطة التي
تعيد للأدب "الحياة"، والتي تزاوج بين العناية بالشكل والمعنى، وهنا
تذكر بمعاناة الأدب العربي من مأزق تغليب الشكل على المعنى، حين انساق وراء مناهج
الغرب ونظرياته كاللسانيات وحركة براغ والشكلانيين الروس مثلا.
وفي السياق نفسه أكدت أن الأدب
يختلف باختلاف التربة التي نبت فيها، فمثلا الرواية الأمريكية أو الروسية أو
غيرهما لا تشبهان الرواية في باقي الأقطار الغربية الأخرى، لذلك فالرواية العربية،
بالضرورة، لا تشبه الرواية الغربية إلا من حيث التقنيات والعناصر السردية الشكلية،
لأنها عامة ومشتركة، لذلك فقراءة هاته ستختلف حتما عن قراءة تلك.
وتضيف الدكتور يمنى أن القراءات
تختلف حتى في الأدب نفسه، استنادا إلى عنصري الإحالة والمرجع؛ ذلك أن القارئ
المتشبع بذخيرة وتجربة قرائية ومرجعية معينة، يرى الواقع من منظوره الخاص، ويحيل
عليه كما يراه، وليس بالضرورة أن يطابق غيره في الرؤية، لأن مفهوم المرجع نسبي
يتعلق بالقارئ الفرد، لذلك ترفض بشدة مفهوم الانعكاس الذي ينص على أن الأدب انعكاس
للواقع،
وقد كانت تساؤلات الحاضرين فرصة لتناقش
الدكتورة وتدافع عن وجهة نظرها تجاه عدد من القضايا التي تشغل الساحة الأدبية، من
ذلك محاكاة الروائيين العرب لنظرائهم الغربيين، مؤكدة أنه لا يجوز التسليم بكون
الرواية العربية تقلد أو تحاكي الرواية الغربية، لأن ذلك قتل للفرادة والتميز،
وإنما تلح على "الإفادة" أو "الاستعارة" من تقنيات الغرب. ولهذا
تستطيع الرواية التأثير في المتلقي لكونها تلامس قضاياه وترصد واقعه ومعاناته،
فالتقنيات مشتركة والمروي مختلف.
كذلك أبدت أسفها على
تراجع النقد في عصرنا، نظرا لاشتغال مَنْ كانوا نقادا بكتابة أجناس أدبية أخرى
خاصة الرواية والشعر، وأصبح النقد مقتصرا على وسائل التواصل الاجتماعي أو في
الجرائد والمجلات، ويتسم بكونه نقدا يعبر عن آراء شخصية ومواقف عجولة غير ناضجة،
ولا يعبر عن حقيقة النقد بمفاهيمه النقدية المعروفة، ولم يعد للنقد تلك المكانة
التي تليق به في مرافقة حركة الأدب. لذلك آثرت هي كذلك أن تتفرغ للكتابة السردية،
بدل الاشتغال بالنقد بغير ظروفه.
ومن بين القضايا التي
أثارتها، تفاعلا مع أسئلة الحاضرين كذلك، قضية التأثير المعكوس، أي تأثير الأدب
العربي في نظيره الغربي، فمثلا استطاع مؤلف "ألف ليلة وليلة" أن يترك
بصمته في الغرب، خاصة على مستويات تقنيات الحكي. كما أكدت، من جانب آخر، أن الأدب،
ومنه الرواية، يساهم في تشكيل الوعي الجمعي للمجتمعات، بشخصياته وأحداثه.
وإجمالا لقد استطاعت الدكتورة يمنى
العيد، بهذه المداخلة القيمة، على وجازتها، أن تجعل بعض الحاضرين يرتبون بعض
الأفكار، ويعيدون النظر في بعض القناعات التي كانت بمثابة مسلمات.
وفي الأخير عبر الأستاذ م عبد الرحمان
شريفي علوي عن شكره للدكتورة ولابنتها الدكتورة ليلى، آملا أن يتجدد اللقاء بيمنى
العيد، من خلال كتاباتها وإبداعاتها المتميزة. وبدورها شكرت الدكتورة منسق فريق
اللسانيات والإنسانيات، وبيت اللسانيات على هذه الاستضافة، معربة عن سعادتها بهذا
اللقاء الذي أحيا فيها أملا جديدا في الإبداع.
تقرير: ذ. محمد سجيد
تعليق