تقرير عن المحاضرة العلميّة الموسومة بـ:
"الاستدلال وخطوات التأويل وجهات نظر في المعنى والقصد والتّواصل"
أ.أم الخير بحير
نظّم فريق البحث اللّساني والتّخطيط اللّغوي بأكادميّة بيت اللّسانيّات الدّوليّة محاضرة علميّة افتراضيّة، عنوانها: "الاستدلال وخطوات التأويل وجهات نظر في المعنى والقصد والتّواصل" مساء السّبت 07 يناير 2023م؛ في تمام السّاعة التاسعة مساءً بتوقيت مكّة المكرّمة، والسّاعة السّابعة مساءً بتوقيت الجزائر، تونس، المغرب.
قدّم هذه المحاضرة الدّكتور عبد المالك بلخيري ـ باحث وأكاديمي لساني جزائري وأستاذ متخصّص في اللّسانيّات والمصطلحيّة والمعجم والتّداوليّات، أستاذ بجامعة زيّان عاشور بالجلفة ـ، كما أدار اللّقاء العلمي الأستاذ الدّكتور عبد القادر بن التواتي، والأستاذ الدكتور تجاني حبشي، وكتب تقريره الأستاذة أم الخير بحير.
افتتح الدّكتور عبد القادر بن التواتي اللّقاء بالتّحيّة، مع تقديم الشّكر للأستاذ بلخيري، ولمدير بيت اللّسانيّات وللفرق والعاملين في بيت اللّسانيّات خاصّة فريق البحث اللّساني والتّخطيط اللّغوي وكلّ أعضاء الفريق، كما دعا الحضور إلى ضرورة المشاركة والانخراط كأعضاء في بيت اللّسانيّات للاستفادة من نشاطاتها، من خلال تقديم بحوثهم وعروضهم وكلّ ما جادت به معارفهم ومداركهم العلميّة، ثمّ أحال الكلمة للدكتور تجاني حبشي الّذي بدوره أثرى على أعمال الأستاذ المحاضر عبد المالك بلخيري حيث وسمه بفارس الملتقيات داخل الوطن وخارجه من خلال محاضراته حول مواضيع مختلفة، كما أشاد بمحاضرته لما تحمله من موضوع متميّز خاصّة أنّه في مجال الاستدلال وليس الحديث عن هذا المجال بالسّهل، ووقف على جملة من النّقاط الّتي يسعى الأستاذ المحاضر إلى شرحها وتوضيحها لإزالة الغموض لدى الباحثين و الحضور، ثمّ مهّد لبدء المحاضرة بتقديم السّيرة الذّاتيّة والعلميّة للأستاذ المحاضر الّتي قامت بعرضها الأستاذة أم الخير بحير، بعد شكرها وثنائها للقائمين على بناء الصّرح العلمي "بيت اللّسانيّات الدّوليّة" وعلى رأسهم مديرها الدكتور مروان سكران، وكذا شكر الأساتذة الحاضرين، والحضور الكرام، وعرّفت بالأستاذ المحاضر في قولها: هو أستاذ وباحث أكاديمي لساني جزائري، متخصّص وباحث في اللّسانيّات والمصطلحيّة والمعجم والتّداوليّات، وأستاذ بجامعة الجلفة، له عدّة ملتقيات وندوات ومؤتمرات داخل الوطن وخارجه، وهو عضو محكّم في دوريّات ومؤتمرات وندوات وطنيّة ودوليّة، وهو أيضا عضو في فرقة بحث، كما له أعمال بحثيّة مشتركة ضمن كتب جماعيّة وله كتب ستصدر قريبا، ليحيل الدكتور تجاني حبشي الكلمة للأستاذ المحاضر بعد شكره لإلقاء المحاضرة، حيث استهلّ الأستاذ المحاضر عبد المالك بلخيري محاضرته بالتّحيّة والشّكر، وافتتح محاضرته الموسومة بـ"الاستدلال وخطوات التّأويل وجهات نظر في المعنى والقصد والتّواصل" باعتبارها مجموعة من المساءلات القابلة للمعالجة والمسائلة من طرف الأساتذة والطّلبة المشاهدين، واعتبر اختيّاره للعنوان مجازفة معرفيّة من قِبله لتضمينه عدّة متغيّرات؛ متغيّر الاستدلال، ومتغيّر خطوات التّأويل، وبعض الفرضيّات الّتي تدخل في إطار الاستدلال والتأويل الّتي هي المعنى والقصد والتّواصل، ورأى انّه موضوع متداخل يحمل مجموعة من المتغيّرات محاولا اختصاره في طريقتين؛ الطريقة الأولى (المعرفيّة): كيف يمكن تمثّل هذه المتغيّرات من استدلال وخطوات التّأويل والمعنى والقصد والتّواصل من وجهة نظر علميّة معرفيّة منهجيّة؟ وكذلك كيف يمكن الاستفادة من هذه المتغيّرات المعرفية بطريقة بيداغوجيّة؟ ،أو كيف يمكن استثمار أو تحويل هذه المتغيّرات إلى قواعد قابلة للممارسة والمناقشة والفحص والمعالجة من طرف الباحثين؟، وأضاف مسترسلا في حديثه عن قيامه بعمليّة جمع هذه المتغيّرات في مسائلة تتوزّع إلى مجموعة من الفرضيّات محاولا مناقشة ما يمكن مناقشته، مضيفا حديثه عن مسألة فحص العلاقة الوظيفيّة ما بين الاستدلال وخطوات التّأويل أنّها تستدعي البحث في التّركيبات الوظيفيّة الّتي تدخل في إطار فهم وتفسير الخطابات أو ما ينجز عبر الأقوال، كون المسألة الأساسيّة هي البحث عن مسألة الفهم والمرحلة الثّانية هي خطوة التّفسير، ورأى أنّ الكشف عن المضامين الّتي تضمرها الأقوال والخطابات، يتمّ عن طريق المعنى والقصد والعلاقة القائمة بينهما في سياق الحديث عن العلاقة بين الاستدلال وخطوات التّأويل، فحدّد مصطلحي المعنى والقصد وفق نوعين من خطوات التّأويل، الخطوة الأولى تتعلّق بالتّأويل القائم على المعنى الحرفي للتّعبير اللّساني الّذي يتمّ على المستوى الدّلالي، وهذا المعنى يرتبط باللّغة وقواعدها، والخطوة الثّانية تتعلّق بالتّأويل القائم على المعنى الّذي تطرحه المعرفة المشتركة في إطار التّجربة الإنسانية، ويتمّ هذا التّأويل على المستوى التدّاولي، ونعني به القصد الّذي يصنعه المتكلّم كونه مرتبط بثقافته، وبهذا فرّق بين مصطلحين مهمّين هما: المعنى والقصد، وبيّن أنّ المعنى مرتبط باللّغة وأنّ القصد يصنعه المتكلّم.
وفي إطار هذه المعالجة الوظيفيّة الّتي تربط الاستدلال والتّأويل والمعنى والقصد والتّواصل يقدّم الأستاذ بلخيري إشكاليّة مركزيّة لها مجموعة من التّصوّرات وتتمثّل الأسئلة المتفرّعة عن السّؤال المركزي في الآتي: ـ هل قيمة المعنى تتحقّق من قيمة الحقيقة الّتي تمتلكها الجمل والعبارات من خلال بناءها الدّلالي وعلاقتها بالواقع، وهذا من خلال شرطي الصّدق والكذب كما يطرحه الطّيّار المنطقي؟ أم القيمة الّتي نبحث فيها عن المعنى تتحقّق من خلال الإنجاز الّذي تحدثه تلك الجمل والعبارات من خلال عمليّة التّأثير والتّأثّر؟ وهل خاصيّة القصديّة في اللّغة يمكن تحقّقها من خلال البناء الدّلالي داخل الجمل؟ أم أنّنا ندفع هذه الدّلالة أن تبني فعلا قصديا؟
يجيب الأستاذ بلخيري بما قدّمه الفيلسوف فانشتاين أنّ المعنى مرتبط بالاستعمال، ومرتبط بأغراض الكلام، في مقابل هذا يوجد الطّيّار المنطقي الّذي يرى أنّ المعنى مرتبط بالتّصوّر الصّوري، أو من خلال الإحالة الّتي تحيل إليها المفاهيم في الواقع مباشرة وبالتّالي فالعمليّة هي عملية دلاليّة، قائمة على الصّدق والكذب في المقابل من ذلك يوجد الطّيّار التّداولي الّذي يقول أنّ المعنى موجود في الاستعمال، وهذا يحيلنا إلى التّمييز بين ما يقوله المتكلّم وما يريد قوله، وهنا نجد أنفسنا أمام تصوّر آخر يتعلّق بالسّياق، ومفهومه، هل يُفهم من خلال اللّغة؟ أم من خلال التّجربة الإنسانيّة؟
ورأى أنّ هذا التّصوّر يرتبط بمجموعة من الفرضيّات مثّلها في تساؤلات أهمّها: هل المعنى والقصد يمكن الكشف عنه من خلال استعمال اللّغة؟ أم هناك تغيّرات أخرى تتجاوز استعمال اللّغة؟ هل هذه المتغيّرات موجودة في اللّغة، أم أنّ المتكلّم من يصنع هذه المتغيّرات من خلال السّياق.
ـ هل المعنى مرتبط بما يقوله المتكلّم؟ أم يرتبط بما يريد قوله؟.
ـ هل المعنى يرتبط باللّغة؟ أم بالمعرفة المشتركة بين المتخاطبين؟
ـ هل المعنى والقصد يمكن البحث عنهما من خلال اللّغة؟ أم التجربة الإنسانيّة؟
ـ هل خطوات التّأويل الّتي نستعين بها في تفسير الخطابات والنّصوص هي مسألة لسانيّة؟ أم مسألة لسانيّة، معرفيّة، اجتماعيّة، ثقافيّة…؟ وما هو التّمييز الحاصل بين المعرفتين في فهم وإنتاج اللّغة؟
ـ لمّا نحلّل التّأويل داخل اللّغة، هل نحن في إطار فهم اللّغة؟ أم إنتاج اللّغة؟ وإذا كنّا نحاول أن نفهم الخطاب من خلال متغيّرات، هل نحن في إنتاج اللّغة؟ أم فهم اللّغة؟
ـ ما هي الانتظامات المعرفيّة الّتي من خلالها يمكن فحص هذه التّغيّرات المعرفيّة المتنوّعة، وكيفيّة دراسة طبيعة هذه التّغيّرات؟
ـ هل في حالة التّغيّر الدّلالي أم تعدّد المعاني نحتاج إلى منظور تاريخي لتفسير ذلك؟ أم نحتاج إلى منظور آخر معرفي؟
ـ في حالة غموض بعض العبارات اللّسانيّة، هل نحتاج إلى تأويل لساني؟ أم نحتاج إلى توسيع الوظيفة الدّلاليّة؟ هل نستعين الآن بما قدّمته الدّلالة؟ أم أنّنا نبحث عن خطوات في التّأويل؟
وقد ترك الأستاذ بلخيري هذه الأسئلة للباحث والبحث لعدم القدرة عن الإجابة على هذه الأسئلة كلّها، وحاول الإجابة ومناقشة ما يمكن مناقشته من خلال الطّروحات الّتي قام بها حيث ربط الاستدلال بالمنطق المرتبط بمفهومه التّداولي وفق ما طرحته النّظريّات المعرفيّة وعلم النّفس المعرفي، ثمّ حاول معالجة اللّغة وفق تصوّرين؛ التّصوّر الأوّل: ينظر إلى اللّغة باعتبار أنّها تعكس طبيعة التّفكير البشري الّتي تمليه النّظريّة المعرفيّة. وهناك توجّه آخر يدرس اللّغة على أنّها تعكس الجوانب التّواصليّة، وبالتّالي نجد أنفسنا أمام توجّه معرفي يدرس طبيعة التّفكير البشري وتوجّه آخر تواصلي، وفي إطار تحديد طبيعة الوظيفة المعرفيّة للّغة وجب استحضار مجموعة من وجهات النّظر العلميّة في مجال الفلسفة في إطار المنطق، وما قدّمته اللّسانيّات، وعلم النّفس المعرفي، والذّكاء الاصطناعي، والنّظريّات النّفسيّة في جانبها المرتبط باللّغة، واللّسانيّات الاجتماعيّة، والثّقافيّة…وركّز على دور علم النّفس المعرفي وعلاقته باللّغة كونها إنتاج عقلي بشري، وكيفيّة اكتساب نظام لغوي طبيعي معيّن، وكيفيّة تمثّل المعلومة اللّغويّة وغير اللّغويّة وكيفيّة تحويلها إلى معارف، حيث رأى انّه من خلال التّعامل مع النّصوص والخطابات على أساس أنّها تقدّم معلومة من خلال تحويلها إلى معارف عن طريق الاستدلال والتّأويل في إطار علم النّفس المعرفي، وكذا كيفيّة توظيف المعارف المكتسبة من خلال القراءة وفهم النّصوص والخطابات في توجيه النّظام المعرفي للأفراد كون الفهم حدث معرفي متدرّج، وبهذا ركّز على أهميّة علم النّفس المعرفي من خلال ثلاث نظريّات هي:
1ـ نظريّة الهندسة المعرفيّة للمعنى الّتي تعتمد على الذّاكرة وعلاقتها بالسّياق في استرجاع المعنى والمعارف المخزّنة أو المستحدثة…
كما ركّز عن الاستدلال الاستنتاجي واعتبره أساسيّا في بناء عمليّة قائمة على التّأويل والفهم والتّفسير من خلال:
2ـ نظريّة النّماذج اللّسانيّة، وتقوم هذه النّظريّة على مراحل، هي (فهم اللّغة وعلاقتها بالمحيط، مرحلة الاستنتاج وتمثّل إعادة صياغة تلك المفاهيم الّتي تحصّل عليها من خلال علاقة اللّغة بالمحيط، مرحلة النّقد ويتمّ فيها استخلاص المعنى والقصد، وما تمّ تحصيله من معارف و معلومات داخل النّصوص، ثمّ مرحلة بناء فرضيّات أو معلومات جديدة من خلال المرحلة الأولى المبنيّة على الفهم والاستدلال المعرفي).
3ـ نظريّة المنطق الذّهني، تقوم هذه النّظريّة على مراحل (مرحلة الكشف عن القواعد المنطقيّة الّتي تحكم الخطابات والنّصوص، مرحلة الاستدلال، مرحلة بناء قواعد منطقيّة أخرى من خلال القواعد المنطقيّة الأولى وإعادة صياغة المعنى من جديد).
كما رأى الأستاذ بلخيري أنّه كلّما كانت الذّاكرة قويّة، كانت المعرفة بالسّياق قويّة، وكانت عمليّة المعرفة بالقواعد المنطقيّة قويّة، وتكون أيضا عمليّة الاستدلال قويّة، وتكون كذلك عمليّة بناء قواعد أخرى قويّة.
واسترسل الأستاذ بلخيري في الحديث عن العلاقة بين الاستدلال وخطوات التّأويل، وكذا التّمييز بين مسألة فهم اللّغة ومسألة إنتاج اللّغة؛ فرأى على حدّ قوله أنّ فهم اللّغة يستوجب القيام بعمليّة تفسير أو استدلال أو عمليّة تأويل من خلال العبارة أو التّعابير الموجودة في النّصوص، ومن خلال اللّغة نصل إلى مجموعة من المعارف أو المقاصد والمفاهيم والتّصوّرات، فعمليّة فهم اللّغة تقوم بتأويل اللّغة للوصول إلى مجموعة من المعارف المضمرة في تلك اللّغة، بينما عمليّة الإنتاج تكون عكسيّة، وذلك من خلال الاستعانة بالسّياق لإنتاج اللّغة وبالتّالي عمليّة الإنتاج هي عمليّة معرفيّة وعمليّة الفهم تعتبر معرفيّة وأيضا لسانيّة، وبالتّالي عمليّة الفهم تعتمد على قواعد لسانيّة لغويّة لإنتاج مفاهيم جديدة، لكن إذا أردنا أن ننتج لغة لابدّ من وجود جوانب تركيبات معرفيّة أخرى؛ كالتّركيب الوظيفي الثّقافي، أو التركيب الوظيفي الاجتماعي، أو التّركيب الوظيفي المعرفي، وقد مثّل عن ذلك في التّراث البلاغي من خلال طرح الجرجاني في ضروب الكلام في باب الحقيقة والمجاز، فمثّل للحقيقة بالمعنى، ومثّل للمجاز بمعنى المعنى، وأعطى الشّواهد الشّعريّة (الثّقافيّة) الّتي طرحها الجرجاني والمستمدّة من المحيط الّذي أنتج ذلك الخطاب،مثال ذلك: "كثير الرّماد" ومعناه أو تأويله أو استدلاله المباشر:"كثير الطّهي"، هذا المعنى الّذي يمكن استنتاجه من خلال معنى العبارة، لكن في مقابل ذلك هناك معنى آخر تريد الخنساء التّعبير عنه هو أنّ "كثير الرّماد" معناه "الكرم"، وهذا المعنى مرتبط بالمعرفة المشتركة والتّجربة الثّقافيّة والاجتماعيّة للخنساء، وبالتّالي تمثّل هنا المعنى الثّقافي الاجتماعي وليس المعجمي اللّساني؛ ذلك أنّ المعنى المتعلّق بالفهم هو "كثير الطّهي" بينما المعنى الثّاني أعمق تمثّل في كشف الأنساق الّتي وضعت تلك التّعابير، حيث أنّ معنى "الكرم" مرتبط بما تريد الخنساء قوله وليس ما قالته، وبالتّالي عمليّة الاستدلال لها علاقة بعمليّة البحث عن المعنى والقصد من خلال ترتيب الفهم الحقيقي للسّياق وعلاقته بالدّلالة، أو اللّغة، أو ارتباطه بالمجتمع، أو بالثّقافة…إذن فالمعنى مرتبط باللّغة أمّا القصد يصنعه المتكلّم وبالتّالي النّصوص تساعد على تحديد المقاصد وليس بناؤها، وبالتّالي مسألة القصد أوسع من حيث التّمثُّل والبناء ومن حيث الاستدلال والتّفسير والتّحليل….
وقد عقّب الدّكتور تجاني في نهاية المحاضرة بمُلخّص شامل لأهمّ النّقاط والقضايا الّتي تطرّق إليها الأستاذ المحاضر بلخيري، وختم الأستاذ المحاضرة بالإجابة عن سؤال الدّكتور بن التواتي في قوله: أنّ الاستدلال يمكن أن ينطلق فيه من مرجعيّة قديمة من خلالها نصل إلى التّواصل النّاجح وهذا ما نجده في الاستدلال عند التّراثيّين كونه المرجعيّة لبناء القوانين والضّوابط ـ ألا تعتقد يا دكتور أنّ قضيّة الاستدلال هو إنتاج اللّغة من منظور تراثي والتّأويل هو فهم اللّغة؟ وبعبارة أخرى كيف يمكن فهم وإنتاج اللّغة عند التّراثيّين؟، وكانت إجابة الأستاذ بلخيري مركّزة على عمليّة الفهم والإفهام عند الجاحظ من خلال حديثه عن البيان والتّبيين، فربط البيان بعمليّة الفهم والإفهام، ورأى أنّ عمليّة إنتاج اللّغة من خلال فهم البيان تقوم على مدى تمثّل الجاحظ لأنظمة المعرفة الّتي يشتغل عليها البيان، كما أعطى مثالا في ضروب الخبر عند الجرجاني وفهمه للجملة في إطار الخبريّة، وقام بعمليّة تصنيف المعنى وطبقاته، كما دخل في مرحلة إنتاج المعنى، وفي نهاية المحاضرة أجاب على مجموعة من الأسئلة الموجّهة إليه؛ هي:
س01: عندنا في التّراث الكثير من العلماء سواء الأصوليّين أو النّقّاد أو اللّغويّين ممّن تكلّم عن الدلالة والقصديّة وعن المعنى في مؤلّفاتهم المختلفة وهي تكفينا عن الاستعانة بما قدّمه اللّسانيّون الغربيّون، فما رأيك بهذه الفكرة؟
ج01: لا يمكننا قراءة التّراث بالأدوات الّتي عندنا لأنّه صعب جدا، ويجب الاستعانة بالمناهج الغربيّة في إعادة قراءة وفهم التّراث وإن كانت هذه المناهج الغربيّة قد اشتغلت على المعرفة في إطارها الجزئي على عكس العلماء العرب الأوائل الّذين اشتغلوا على منهج الكلّيات المعرفيّة، كما يجب الانفتاح على اللّغات وبالأخصّ الإنجليزيّة لتطوير وترقية لغتنا العربيّة.
س02: هناك ثلاث أصناف للباحثين اللّسانيّين العرب المحدثين: صنف متعصّب للتّراث، وصنف متعصّب للّسانيّات الغربيّة، وصنف آخر توافقي، إلى أي صنف يمكن أن يصنّف الأستاذ بلخيري ذاته؟
ج02: لا أستطيع أن أدرج نفسي في صنف من هذه الأصناف، كوني مازلت طالب علم وباحث أحاول تكوين نفسي في إطار ما يُطرَح في هذه الاختلافات المنهجيّة الثّلاث، لكن دائما أنتصر للتّراث الأصيل بوجهة نظر أستاذي عبد الرحمن الحاج صالح. في المقابل من ذلك أدعو الباحثين إلى عدم إهمال ما قُدّم في الدّراسات الغربيّة كانتصار للّغة العربيّة من خلال البحث في مناهج تخدمها.
س03: ما طبيعة العلاقة بين السّياق والتّأويل، وكيف تفسّر كثرة التّأويل في العبارة الواحدة؟
ج03: إحالة صاحب السّؤال لكتاب "المعنى الحرفي" لفرانسوا ريكاناتي، الّذي يميّز بين خطوتين في التّأويل بمفهومه التّداولي، فهناك تأويل يتم داخل اللّغة بمعنى يتم من خلال منطوق القول أو العبارة يسمّى بالتّأويل الضّيّق، وهناك تأويل آخر أوسع مرتبط بما يريد صاحب العبارة قوله، وهنا يرتبط بالإحالة ومسألة الإشباع الدّلالي ومسألة توسيع المعنى وفهم المقاصد التّواصليّة لفهم العبارة، فلابد التّمييز ما بين نوعين من التّأويل: ما بين تأويل فيما يقوله المتكلّم، وتأويل آخر فيما يريد قوله.
س04: هل لمرحلة الفهم لنظريّة الاستدلال الذّهني باعتبارها ربطا بين اللّغة والمجتمع علاقة بما جاء به غولد مان؟
ج04: هذا السّؤال لا أجيب عليه لعدم اطّلاعي على البنويّة التّكوينيّة لغولد مان، كونه خارج تخصّصي المرتبط بالقصد والتّواصل.
وقد عبّر الأستاذ تجاني بجميل صنيع الأستاذ بلخيري كونه اتّصف بالأمانة العلميّة في نقل المعارف، من عدمها، وهذا من سمات الباحث الصّادق مع المعرفة.
س05: هل تنتفي صفة العلميّة عن الباحث وهو يبحث عن المعنى؟
ج05: الباحث يبني القصد من خلال المعنى، والغاية هي تحديد القصد المُنجِز للمعنى، لأنّ المعاني في الأصل نتاج مقاصد.
تعليق