تقرير
حول ندوة علمية افتراضية في موضوع:
"النحو الوظيفي في الثقافة العربية: المنجز والآفاق"
الأستاذ
إبراهيم الطاهري
نظم فريق "باحثون"
تحت إشراف أكاديمية بيت اللسانيات الدولية، ندوة علمية دولية-افتراضية-في
موضوع: "النحو الوظيفي في الثقافة العربية:
المنجز والآفاق" بمناسبة العيد الأممي للغة العربية الذي يحتفل به في
يوم الثامن عشر دجنبر(18 دجنبر) من كل سنة، وذلك يوم الإثنين 26 دجنبر 2022م ابتداء
من الساعة السادسة مساء بتوقيت غرينيش، بحضور السيد مدير أكاديمية بيت اللسانيات
الدولية الدكتور مروان السكران والسيد مدير الفريق: الأستاذ ياسين جمال الادريسي،
وباقي السادة والسيدات أعضاء الفريق كل باسمه وصفته.
وقسمت الندوة إلى جلستين
اثنتين:
أولا: الجلسة الافتتاحية.
وهي عبارة عن جلسة ترحيبية ممهدة للموضوع، وقد يسَّر فعالياتها الأستاذ
عبد الغاني آيت بن أدرى نائب مدير فريق باحثون، وقد قدم الدكتور مروان السكران
مدير أكاديمية بيت اللسانيات الدولية كلمة رحب فيها بالسادة الأساتذة المشاركين في
أعمال الندوة، كما نوَّه بالمجهودات الجبارة التي يقوم بها أعضاء فريق باحثون في
سبيل تنظيم مثل هذه الملتقيات العلمية التي لا تزيد من عمل الأكاديمية إلا غنى
وتنوعا، وهو ما أكد عليه الأستاذ الدكتور عبد الوهاب صديقي منسق الندوة في مداخلته،
مشيرا إلى السياق العام الذي نظمت فيه الندوة، شاكرا لكل من أسهم فيه تنظيمها
والإعداد لها، وعلى رأسهم السادة الأساتذة المحاضرين.
ثانيا: الجلسة العلمية.
كشفت مداخلات السادة الأساتذة خلال هذه الجلسة
التي سير مجرياتها الأستاذ الدكتور مروان السكران عن عدة محاور فصلت القول في
موضوع الندوة التي اختير لها عنوان: "النحو الوظيفي في الثقافة العربية:
المنجز والآفاق" وبموجب ذلك توزعت إلى أربع مداخلات علمية رصينة هي:
1- مداخلة الدكتور عبد الوهاب صديقي بعنوان:
"اللسانيات الوظيفية ولسانيات التراث أصول
وامتداد". أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي، أكاديمية جهة واد
نون-المغرب.
2- مداخلة الأستاذة حفصة عيساني بعنوان: "التلقي
اللساني العربي لنظرية النحو الوظيفي لأحمد المتوكل". دكتوراه في
اللسانيات العامة من الجزائر.
3-مداخلة الدكتورة لطيفة ألحيان، في موضوع: "الوظيفة جسر العبور في الترجمة من منظور النحو الوظيفي"
أستاذة مبرزة من المغرب.
4-مداخلة الأستاذ عزيز الزيتوني من المغرب، بعنوان: "أثر المدرسة الوظيفية في تطوير تعلمات اللغة العربية في
بالسلك الثانوي" باحث في اللسانيات، حاصل على الدكتوراه من جامعة
سيدي محمد بن عبد الله-فاس/المغرب.
واستهل الدكتور "عبد الوهاب صديقي" مداخلته بطرح
سؤال العلاقة الجامعة بين التراث اللغوي العربي واللسانيات الحديثة، مؤكدا أن الجواب
عن هذا السؤال أبان عن اختلاف الباحثين إلى ثلاثة مواقف، الأول: يؤمن بالرجوع
التام إلى التراث العربي القديم لمعالجة قضايا اللغة العربية، أما الموقف الثاني:
فيؤمن بضرورة ربط علاقة-ولو نسبيا-بين العلوم اللغوية قديما وحديثا كما هو معروف
من لدن أتباع اللسانيات التوليدية (نعام تشومسكي) مثلا، في حين يأتي الموقف
الثالث المتمثل في رواد(النظرية الوظيفية)-أمثال: "أحمد المتوكل"-الذين
يؤكدون على أن العلاقة بين التراث اللغوي العربي واللسانيات الحديثة علاقة أصول
وامتداد، أي علاقة مبنية على منهج الاستمرارية والاستلزام التخاطبي، وهو منهج يسمح
للباحث اللساني الحديث بإعادة النظر في التراث واستثمار مفاهيمه الدقيقة بدل
مفاهيم حديثة قد يشوبها نوع من الغرابة، مما يحول دون تحقيق الأهداف.
وعلى ذكر الأهداف أشار الأستاذ "صديقي" في مداخلته
إلى أن للرجوع إلى التراث واستثماره الدرس اللغوي الحديث-حسب النظرية الوظيفية-دور
هام في إغناء النحو الوظيفي أولا، ثم تقويم الأوصاف المقترحة الخاصة بالنحو
والبلاغة العربيين قديما وحديثا، وثالثا: محاولة معالجة قضايا اللغة العربية وما
يرتبط من ظواهر صوتية وصرفية وتركيبية ودلالية وغيرها..، ومن ثمة قراءة التراث
العربي وفق حياد لا هو إلى المدح أقرب ولا إلى القدح أقرب.
في حين سلَّطت الأستاذة "حفصة عيساني" الضوء في
مداخلتها على التلقي اللساني العربي لنظرية النحو الوظيفي لأحمد المتوكل، حيث مهدت
لذلك بالحديث عن نظرية النحو الوظيفي عبر مسارها ومراحلها تبعا لما جاء به أحمد
المتوكل باعتباره من رواد هذا الاتجاه اللساني، ولعل من هذه المراحل تقول الأستاذة
حفصة: مرحلة الاستنبات (أي الرجوع إلى جذور التراث العربي) ومرحلة التأصيل(ربط
النحو الوظيفي بالتراث اللغوي العربي كانفتاح الوظيفيين على كتب التراث: كتاب
مفتاح العلوم لأبي يعقوب السكَّاكي مثلا). ثم هناك مرحلة ثالثة هي: مرحلة
تطوير النظرية الوظيفية: وهي مُهمَّة تبناها عدد من الباحثين في اللسانيات
الحديثة-في المغرب خاصة-لكنها عرفت فيما بعد تباينا على مستوى تلقي هذه النظرية في
بيئات مختلفة أخرى، وقس على ذلك تلقي البحث اللساني عموما، وعليه، أكدت الأستاذة
المحاضرة أن هناك جملة من المعيقات التي تعترض سبيل تلقي نظرية النحو الوظيفي من
قبيل:
-صورة الغرب في المتخيل العربي التي جعلت اللسانيات آلية جديدة من
آليات الاستعمار الحديث بعدما نفذت خططه..
-مشكل اللغات التي دُوِّن بها البحث اللساني (اللغة الفرنسية مثلا)
خاصة عند المشارقة.
-تعدد المصطلحات وتنوعها حسب البيئات الجغرافية، في إطار ما يعرف
بفوضى المصطلح اللساني الذي يختلف من باحث لآخر مثلا: (لسانيات/ علم اللغة
الحديث/ألسنية..)
-اعتبار اللسانيات منهجا بحثيا مخصوصا باللغة الأجنبية فقط على حساب
اللغة العربية، لأنها في نظر البعض لغة مقدسة (لغة القرآن الكريم) ولغة الحضارة
والإسلام، وبالتالي لا تصلح لهذه المناهج والافكار الحديثة.
-غياب ثقافة المجموعة العلمية في البحث، وإعداد المشاريع العلمية، ثم
الاستناد إلى الأحكام والآراء المسبقة دون تمحيص أو اطلاع دقيق وعميق..
وتأتي المداخلة الثالثة للأستاذة "لطيفة ألحيان" الموسومة
ب: "الوظيفة من منظور النحو الوظيفي باعتبارها جسرا للعبور في ميدان
الترجمة" التي تطرقت من خلالها إلى
مفهوم الترجمة منن منظور النحو الوظيفي والقائمة وفق مبادئ واصول، تعتبر اللغة
أداة للتواصل، وكون بنية اللغة من الأدوار التي تحكمها الوظيفية، وفصلت القول أيضا
في بعض الكفايات التي يهدف إلى تحقيقها النحو الوظيفي، مثل: الكفاية التداولية والكفاية
النفسية والكفاية النمطية.
وفصلت الأستاذة القول-هي الأخرى-في الأسس المنهجية لعملية الترجمة
التي جعل منها النحو الوظيفي مجالا معرفيا قائما على أسس علمية، على اعتبار أن هذا
النوع من النحو يتبنى نظرية لسانية تقوم على مفهوم الكلية(النحو الكلي الشمولي)،
بالإضافة إلى اعتماد بنية تحتية قوامها الدلالة والتداول، بالشكل الذي يجعلها تنهج
طريق التوليد والبناء عبر عملية التحليل، كما هو الحال عند: "سيمون ديك،
وأحمد المتوكل" وغيرهما، وبالتالي تقول الأستاذة: أن البنية التحتية هي
جديد المنظرين للنحو الوظيفي، وأنها-الى جانب الوظيفة-أفضل جسر عبور للانتقال من
لغة إلى لغة أخرى، أي أفضل وسيلة يمكن اتباعها في عملية الترجمة.
وعرجت الأستاذة "لطيفة" ضمن مسار مداخلتها عن مجموعة
من الأمور الأخرى، نذكر منها: آليات الترجمة التي تخضع لجهازين أساسيين هما:
القاموس المزدوج، ثم النحو المقارن، ثم المراحل التي تقطعها عملية الترجمة
والمتمثلة في: مرحلة التحليل، ومرحلة النقل، ثم مرحلة التوليد، لتسترسل في الحديث
عن نظرية الترجمة في نموذج نحو الطبقات القالبي؛ والإشارة إلى أن المسطرة العامة
المعتمدة في عملية الترجمة لا تتغير في هذا النموذج، وقد قدمت لذلك أمثلة توضيحية
هامة، كما أشارت الدكتورة إلى أن هذه النظرية قد سعت إلى تعميم المقاربات الوظيفية
على دراسات مختلفة كالتنميط والتطور وتعليم اللغات وفق شروط وضوابط، وأن الترجمة
بإجماع الباحثين ينبغي أن تكون على مستوى المعنى لا على مستوى اللفظ، وهو ما يدعو
إلى إعادة طرح إشكال المستوى التمثيلي الأفضل والملائم كي يكون جسر عبور لترجمة
ناجحة من لغة الى أخرى، أهو المستوى السطحي أم المستوى الفوقي، وتحديد لا يكون إلا
وفق اختبارات مهمة أشارت إليها الأستاذة بالتفصيل.
أخيرا كشفت مداخلة الأستاذ "عزيز الزيتوني" عن الأثر
البليغ الذي تحدثه المدرسة الوظيفية في تطوير تعلّمات اللغة العربية خصوصا بالسلك
الثانوي التأهيلي، مشيرا إلى أن مداخلته تضم عدة اقتراحات يمكنها الإسهام في تجويد
تدريس اللغة العربية من خلال استغلال ديداكتيك والانفتاح على المقاربة الوظيفية
تبعا لما جاء به الدكتور "أحمد المتوكل".
ونظرا لمشكل تقني على مستوى الصوت؛ تعذر على الأستاذ "الزيتوني"
إتمام مداخلته في انتظار تقديمها في وقت قريب جدا-بتنسيق مع أعضاء الفريق-كي
يستفيد منها عموم الباحثين في المجال.
وفي الأخير نؤكد أن الندوة
العلمية قد لقيَّت استحسان جمهور واسع من الباحثين والمهتمين من أساتذة في مختلف
الأسلاك وطلبة باحثين، حيث تابعوا الفعالية من أولها إلى آخرها، كما أغنوا النقاش
بمداخلاتهم وتساؤلاتهم المتنوعة التي تعكس مدى شغفهم باللغة العربية أولا،
وبالأبحاث العلمية الرصينة ثانيا، وهي أبحاث ترجمها السادة الأساتذة في مداخلاتهم
القيمة وتفاعلاتهم مع أسئلة الحاضرين التي زادت من غنى الموضوع وتنوعه من جهة، ومن
جهة ثانية إشعاع عمل فريق باحثون خاصة، وأكاديمية بيت اللسانيات الدولية
عامة.
حرر بتاريخ: الاثنين26
دجنبر2022م
بني
ملال/المغرب
تعليق