اللسانيات وتعليمية النص الأدبي المرحلة الثانوية أنموذجا

 

الأستاذ إبراهيم الطاهري

  أشرف فريق "باحثون" التابع لأكاديمية بيت اللسانيات الدولية على الإعداد محاضرة علمية عن بعد في موضوع: "اللسانيات وتعليمية النص الأدبي المرحلة الثانوية أنموذجا" من إعداد وتقديم الأستاذة بوعمراني نسرين، دكتورة محاضرة بالمركز الجامعي عبد الله مرسلي-الجزائر، متخصصة في لسانيات النص، وذلك يوم الإثنين 28 نونبر 2022م ابتداء من الساعة السابعة مساء بتوقيت المغرب والجزائر وتونس، والتاسعة بتوقيت مكة المكرمة، بحضور السادة والسيدات أعضاء الفريق، وعلى رأسهم السيد مدير الفريق.

      وبعد التمهيد لموضوع المحاضرة العلمية التي أدار فقراتها الأستاذ عبد الغني آيت بن أدري نائب مدير فريق باحثون-نيابة عن الدكتور فاطمة ازر عضو الفريق.

فصلت الأستاذة بوعمراني القول خلال محاضرتها العلمية في عدة نقاط أساسية، أهمها ما حصل-ويحصل-من تكافل وتجاسر معرفي وبراديغمي بين مختلف العلوم والمعارف-عموما-على مستوى الرؤى والأفكار والمقاربات، وما يحصل من تواشج علائقي بين اللسانيات والتعليميات(تعليمية اللغة) عموما، واللسانيات النصية وتعليمية النصوص الأدبية على وجه التحديد، مشيرة إلى حقيقة هذا الارتباط الجامع بين هذه القضايا مجتمعة وأثر ذلك على الرفع من المستوى المعرفي قاطبة، ثم الرفع من التحصيل الدراسي لدى المتعلمين والمتعلمات خصوصا في "المرحلة الثانوية" التي اعتبرت أنموذجا للقياس في هذه المحاضرة العلمية، تحتاج إلى معايير وقواعد إجرائية، وآليات إصلاحية هامة يشترك فيها كل المتدخلين في الحقل التربوي (المتعلم والمدرس والبرامج والمناهج-الفاعلين والقائمين على المجال..).

     

وأشارت الأستاذة في معرض محاضرتها إلى الأثر البالغ الذي خلفته-وتخلفه-اللسانيات على النقد الأدبي على مستويات مختلفة أهما: المستوى المفاهيمي ثم المستوى الاصطلاحي ثم المستوى المنهجي، وغير ذلك من الروافد الذي أحدث تلاقحا بين العلمين تمكن من خلاله النقد الأدبي من الخروج من دائرة المعيارية واعتماد أحكام القيمة، إلى دائرة قوامها العقل والعلم، أو كما قال الدكتور سعد مصلوح.

      وتساءلت الأستاذة نسرين بوعمراني عن دور معرفة لسانيات النص وأثر هذه المعرفة على المتعلم والمدرس على السواء، كما تساءلت عن الغاية من هذا النص وعن معايير انتقائه، لتجيب-مؤكدة-أن النص "بنية مركبة له قواعد وأسس" تؤدي وظائف مختلفة في الحقل التعليمي خاصة؛ ينبغي التعامل معه بحذر وعقلانية، وجعله صالحا للتطبيق والتقويم أي الانتقال به من المعرفة العالمة إلى المعرفة التعليمية، وذلك بجعله منسجما مع مقاربات وأهداف تعليمية تعلمية مضبوطة وفقا لكفايات يتوخى تحقيقها المتعلم بالشكل الذي يلائم طبيعة قدراته العقلية والمعرفية والمهارية، وتلك معايير لسانية وغيرها-أكدت الأستاذة-على ضرورة معرفتها وضبطها، إذ لا ينبغي للمدرس الجهل بها بأي حال من الأحوال، فالنص ليس النص في نظرها، والنص الأدبي ينبغي أن يكون فنيا، منسجما، ملائما، محافظا على الهوية، والقيم الدينية والإنسانية والوطنية..

     وكشفت الأستاذة الدكتورة في آخر محور من محاور محاضرتها عن جملة من الإكراهات والصعوبات التي تواجه المقاربة النصية زمن تطبيقها في المرحلة الثانوية والتي تطغى عليها التعليمية التقليدية بدلا من التعليمية ذات المقاربات الحديثة، وبالتالي عدم تفعيل الوضعيات المستهدفة من مقررات اللغة العربية بالجزائر-خاصة في المرحلة الثانوية- التي تمتاز بالآتي: 

-هيمنة النص الأدبي الشعري العربي القديم على باقي الفنون الأدبية والأشكال التعبيرية الأخرى بنسبة 80 بالمائة مما يكرس مفهوم التقليد والنمطية.

-انحصار النصوص المختارة في موضوعات محددة تعبر عن موضوعات محدودة، كموضوع "الثورة" مثلا.

-تغليب الأدب المشرقي على الأدب الجزائري.

-تغييب الأدب الحديث كالقصة والخطاب الإعلامي والإشهاري والأدب الرقمي..

-مشكل الروافد مع النص الأدبي.

وفي هذا السياق ضمت الأستاذة بوعمراني صوتها إلى صوت الفاعلين التربويين الراغبين في إعادة النظر في مثل هذه الدروس (النصوص) بما يلائم العصر وتغيراته أولا، وما يلائم طبيعة المتعلمين ثانيا، وتلك ليست دعوة-تقول الأستاذة-إلى التخلي الكلي عن موروثنا الأدبي ولا إلى اعتماد نصوص مسرفة في بالبساطة، بل على العكس تماما، اعتماد نصوص تسهل عملية القراءة وتسمح للمتعلمين بالتواصل معها وفك شفراتها وبالتالي توظيفها توظيفا صحيحا ينمي ملكاتهم المعرفية ويصقل قدراتهم ومواهبهم الإبداعية.

      

      ونشير في الأخير إلى أن المحاضرة العلمية قد لقيت استحسان جمهور المتتبعين من أساتذة وطلبة باحثين تابعوا الفعالية من المغرب وغيره من الدول العربية الشقيقة، حيث أغنوا النقاش بمداخلاتهم القيمة التي كانت على شكل تساؤلات متنوعة تعكس مدى شغفهم بالبحث الاطلاع على تفاصيله في مختلف المجالات والتخصصات، وتعلقهم بمثل هذه الملتقيات العلمية عامة، وبالمحاضرة التي قدمتها الأستاذة الدكتورة نسرين بوعمراني ضمن سلسلة أنشطة فريق باحثون-فرع اللسانيات-التابع لأكاديمية بيت اللسانيات الدولية.