نظم فريق اللسانيات والإنسانيات بأكاديمية بيت اللسانيات الدولية محاضرة علمية تندرج ضمن المعاجم العربية، وذلك يوم الثلاثاء 12 نونبر 2022، ابتداءً من الساعة السابعة 19:00 بتوقيت المغرب، في موضوع: "معجم لسان طوفا الأقصى"، قدمها الدكتور محمد المنشاوي أستاذ الأدب العربي والنقد الحديث بجامعة عين شمس ـ مصر، وأدار مجريات هذا النشاط العلمي الأستاذ عبد الرحمن شريفي علوي رئيس فريق اللسانيات والإنسانيات.
افتتح المسيِّر المحاضرة بالترحيب بالدكتور المحاضر وبأعضاء الفريق ومتابعي اللقاء، وقد جرى اللقاء عبر تقنية التناظر عن بعد، وأتبع هذا بموجز عن السيرة الأكاديمية والعلمية للدكتور محمد المنشاوي، وأثار بعض النقاط الأساس التي يتمركز موضوع المحاضرة حولها، والتي يرى مدير اللقاء أن المحاضر سيستفيض في الحديث عنها، ثم قدم له الكلمة متمنيا له التوفيق.
بدأ الدكتور محاضرته بشكر أكاديمية بيت اللسانيات والفريق المشرف على المحاضرة، والمستمعين الكرام، ليؤكد أن معجمه هذا، والذي هو مدار هذه المحاضرة، جزء من تضامنه مع القضية الفلسطينية، بحث يرى، وهذا في الحقيقة موقف كل الشرفاء الذين يحملون في صدورهم القيم النبيلة، أن ما يحدث للفلسطينيين، وتحديدا سكان غزة، هو إبادة جماعية لم يشهد مثلها التاريخ الحديث أو المعاصر، لأن هذه الحرب غير متكافئة الأطراف، وأن العدو الصهيوني يدفع بكل قوته من أجل قتل المدنيين العُزّل دون استثناء طفل أو شيخ أو امرأة، راصدا بذلك الإحصائيات المهولة في عدد القتلى والمصابين والمفقودين تحت ركام المنازل، والتي يراها العالم ومنهم من يباركها مثل الغرب، مع تخاذل العرب الذين يفترض منهم أن يكونوا أول من يدافع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين (القدس الشريف) وعن حماته. وعبّر الدكتور عما يدور في خاطره من مشاعر الحزن والدِّيق والتبرم لعجزه عن مساعدة أهلنا في فلسطين.
قبل أن يَعرضَ المفاهيم والمصطلحات المكوِّنة لهذا المعجم، قرأ الدكتور محمد المنشاوي مقدمةَ معجمه بُغية تبسيط الرؤيا أمام المتلقي حتى يتسنى له أن يعرف مدار هذا المنجز، وجاءت في المقدمة، التي ألقاها، كل الأفكار التي يجب على كل إنسان أن يَعيها، وبخاصة المسلمين، كاشفا عن أهم فكرة، لكونها الأعم والأهم في تاريخ البشرية، وهي الحرب الدينية، لا لكونها حرب عسكرية بين المقاومة والجيش الصهيوني الذي يقاتل تحت عباءة الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما لأنها حرب بين الإسلام والشرك، بن الحق والباطل، بين من يملك هوية ثابتة المَعالم والرؤى، وبين من يطمح إلى صناعتها على حساب الآخرين.
وأبرز المحاضر مجموعة من الحقائق التي قد لا يعرفها إلا من كان مهتما بالشؤون السياسية ومُتَضلِّعا فيها، ويأتي على رأس هذه الحقائق، أهداف الصهاينة من دخول غزة، فحتى إن حاولوا التبرير بأن دخولهم كان من أجل القضاء على حماس واستعادة الأسرى، إلا أنه يرى عكس ذلك، إذ إنهم أخبث من ذلك، بحيث يشير الدكتور إلى أن هدف الصهاينة هو التوسع الجغرافي، وإجلاء سكان غزة من أرضهم ومنازلهم التي لا يملكون غيرها، والاستحواذ على الغاز الطبيعي الذي تكتنزه غزة العزة والكرم... وما شئت من الألفاظ المجيدة.
لقد جرد المحاضر معظم الكلمات والألفاظ التي كان لها تأثير كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تلامس أيضا قلب كل متعاطف مع القضية الفلسطينية، لأن وسائل الإعلام بثّت وما زالت تبثُّ الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال وما يصحبها من العبارات والألفاظ التي تَخرج من تلقاء نفسها دون تصنع أو ادعاء، وإنما دفع بها الألم والحزن عن الفراق، أو الفقد ،أو الجوع، أو البرد، أو النوم في الشوارع والمقابر، كاشفًا عن أن هذه التعبيرات كانت أجمل ما قيل في الحب والرثاء في تاريخ الحروب، لأن العالم كله سمعها حتى وإن كان البعض لا يفهما معناها.
إن هذا المعجم الذي تَكوّن خلال الحرب على غزة، إلى الآن على الأقل، يحمل من المشاعر الإنسانية ما تدمع له العين وينفطر له القلب، واللافت عند الدكتور محمد المنشاوي أنه قام بجرد العبارات من جميع شرائح المجتمع الغزاوي المكلوم، (صحفيين، أطباء، طاقم الدفاع المدني، المدنيين، المسلحين...)، ومن ذلك عبارة: "روح الروح" التي قالها الشيخ خالد نبهان في وداع حفيدته، وقول رئيس مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: "لتنتقموا منا في الأولاد، معلش"، بعد أن قتل جيش الاحتلال نَجلَه. وقول إحدى السيدات في رثاء أبنائها: "الأولاد ماتوا من دون ما ياكلوا، يشهد عليّ الله". وقول أحد المرابطين هناك في غزة: "كلنا مشاريع شهداء"، وتحولت عبارته هذه إلى واقع يردده كل غزاوي. وعبارة "حلل يا الدويري" التي صدح بها أحد الأبطال المجاهدين في حركة حماس قبل لحظة من تحويله دبابة من نوع "المركافا" إلى حطام، وهي أحسن دبابة، كما يروج لها أصحابها.
لم تقتصر المحاضرة على عرض الألفاظ والعبارات التي قِيلت من الجانب الفلسطيني، بل شملت معظم ما تداول في الحيثيات الحربية بغزة بعد السابع من أكتوبر 2023، مثل أنواع الأسلحة التي استعملت لأول مرة في هذه الحرب، وطرق استخدامها، بل وتضمنت حتى أنواع العمليات والكمائن التي نُفّذت في الأحياء الغزاوية، وأسماء المجازر التي ارتكبها الاحتلال في المستشفيات ومدارس الإيواء وخيام النازحين. والحق أن المحاضر استرسل في عرض المصطلحات المرتبطة بعملية "طوفان الأقصى" لمدة ربع ساعة، وكان، خلال هذه المدة الزمنية، يعرض فقط الأسماء، قبل أن يبرز سبب تأثيرها. وأكد الدكتور أن وصوله إلى كل المفردات والألفاظ والعبارات، كان يستند إلى شهود عيان، ومقاطع الفيديو المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض التقارير الصحفية والصور، التي تحمل التفاصيل الدقيقة عن تلك المجازر.
قبل أن يختتم الدكتور محمد المنشاوي محاضرته دعا لأهل غزة وفلسطين بالفرج القرب وزوال هذه الغمة التي ألمت بهم من جراء الهجمة الهمجية الصهيونية عليهم. وبعد ذلك أخذ مُسيِّر اللقاء الأستاذ عبد الرحمن شريفي علوي، مجددا، ليغني اللقاء باستحضار أهم المحطات التي وقف عندها باختصار شديد، داعيا بدوره لأهلنا في فلسطين بالنصر وحقن الدماء، مشيرا إلى أن النصر آت لا محالة، وهو وعد الله لنا الذي لا شك في تحقيقه إن عاجلا أم آجلا. ومُؤكدًا على نقطتين أساسيتين أغفلهما هما: التضامن وانصراف الناس إلى متابعة كرة القدم عما يحدث في غزة، مفسرا ذلك أنه حتى من داخل كرة القدم يوجد تضامن كبير ورسائل هامة جدا، وأيضا أن الكثير من الشعوب العربية تتضامن عبر مَسيرات تبثُّها منابر إعلامية عالمية.
في النهاية، أَخبر المُسيّر المحاضرَ بثناء المتابعين على اختيار هذا الطرح العلمي، ونقل إليه سلامهم، وقدم له بعض التساؤلات التي تقدم بها المتابعون للمحاضرة، وفي مقدمتها: هل تم نشر هذا المعجم؟ وهل هناك خطة لترجمته؟ فكان جواب الدكتور: أنه أرسل المتن إلى إحدى دور النشر بالجزائر، وهو يرى أن الأمور تسير بالشكل المناسب لأجل نشره. مؤكدا أنه يحتسب هذا العمل لوجه الله، ولن يتقاضى درهما واحدا عن هذا العمل، بل جعل نسبة أرباحه لأهالي شهداء غزة. وعبّر عن ترحيبه بكل من يرغب في ترجمة كتابه. ثم أجاب المحاضر على الأسئلة الأخرى التي وُجِّهت له بكل إحكام وإقناع. كما نوّه بفكرة المسّير الأستاذ عبد الرحمن شريفي علوي التي مفادها: إعداد معجم لأعلام حركة حماس. وقدم المحاضر كلمة أخيرة تم من خلالها الدعاء لإخواننا في فلسطين وفي كل مكان. واختُتم اللقاء بالتفاؤل بنصر المسلمين في كل مكان، ثم جدّد الشكر للدكتور المحاضر وللمتابعين، ضاربا لهم موعدا مع لقاءات علمية فريدة من نوعها.
إعداد: محمد قدوري 12 نونبر 2022.
تعليق