بيت اللسانيات بيت اللسانيات

آخر الأخبار[cards]

جاري التحميل ...

نقد النقد الأدبي من أجل منهج إبستيمولوجي | عبد الواحد المرابط

نقد النقد الأدبي من أجل منهج إبستيمولوجي | عبد الواحد المرابط

مقدمة

عرف النقد الأدبي عبر تاريخه الطويل تطورات وتحولات متعددة، واكب من خلالها تحوّلات الأدب نفسه، كما انفتح على مجالات معرفية شتّى من فلسفة ولسانيات وسوسيولوجيا وأنثروبولوجيا. غير أن الممارسة النقدية، وإن اغتنت من هذه الحقول، لم تكن بمنأى عن بعض الانزلاقات المعرفية والمنهجية التي استدعت، في مرحلة لاحقة، نوعًا من النقد الذاتي أو ما بات يُعرف بـ"نقد النقد الأدبي". 

ويعدّ هذا الحقل من أرقى مستويات الوعي النقدي، لأنه لا يكتفي بتأويل النصوص أو تقويمها، بل يسائل شروط القراءة نفسها، وينظر في خلفياتها الإبستيمولوجية، متسائلًا عن مدى علميتها وصلابتها. وفي هذا الإطار، جاءت محاضرة الأستاذ الدكتور عبد الواحد المرابط**، بعنوان: "نقد النقد الأدبي من أجل منهج إبستيمولوجي"، لتكون محطة فكرية ومعرفية عميقة، تُعيد مساءلة العلاقة بين النص والناقد، وتطرح سؤال المنهج في أعلى تمثلاته.

1. التعريف بالمحاضر ومساره العلمي

قبل الغوص في المحاور العلمية للمحاضرة، تم تقديم نبذة وافية عن الدكتور عبد الواحد المرابط، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية - عين الشق، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء. يشغل منذ سنة 2021 منصب أمين مركز الأبحاث السيميائية والدراسات الثقافية، وله مسار علمي زاخر، سواء من حيث الإشراف على المشاريع البحثية أو من حيث التأليف والترجمة والمشاركة في كتب جماعية.

من أبرز مؤلفاته الفردية:

- السيمياء العامة وسيمياء الأدب: من أجل تصور شامل (2005، طبعة ثانية 2010)

- الدراسات الأدبية المغربية الحديثة: مداخل ببليوغرافية (2010)

- مدخل إلى السيمياء: الأسس النظرية والامتداد المعرفي (2018)

- الاتجاهات السيميائية: مدخل إلى أنساق الدلالة والمعنى والثقافة والتواصل (2018)

- الترجمات المغربية للدراسات الأدبية: مداخل ببليوغرافية (2022)

- المنهج التاريخي في النقد الأدبي الحديث (2022)

 2. مفهوم نقد النقد الأدبي

ينطلق الدكتور المرابط من التمييز بين ثلاث مستويات: الأدب، والنقد، ونقد النقد. ويُقرّ أن الممارسة النقدية التقليدية كانت تكتفي بالانتقال من النص إلى التأويل، دون مساءلة ذاتها. أما نقد النقد فهو شكل من المراجعة المعرفية والمنهجية، يروم فحص مناهج النقد نفسها، وتحليل أُطرها المفاهيمية، ومساءلة الأدوات التي يعتمدها الناقد في قراءته.

يُبرز الدكتور المرابط أن هذا المجال لا يتعامل مع النصوص الأدبية في حد ذاتها، بل يتعامل مع الكتابات التي تناولت تلك النصوص، أي مع الخطاب النقدي نفسه، مستفسرًا: ما المنهج المعتمد؟ ما الخلفيات المعرفية؟ إلى أي حدّ نحافظ على صرامة التحليل العلمي؟ وهل ما نكتبه فعلاً نقد علمي أم مجرّد انطباعات؟

3. أهمية البعد الإبستيمولوجي

يرى المحاضر أن أكبر إشكال يُواجه النقد الأدبي في السياق العربي هو غياب الوعي الإبستيمولوجي، أي غياب الوعي بشروط المعرفة، ومصدرها، وحدودها. فقد يتم تبنّي نظريات غربية دون استيعاب خلفياتها الفلسفية والمعرفية، أو إسقاط مفاهيم على نصوص دون التحقق من قابليتها التطبيقية أو جدواها التحليلية.

وهنا يدعو الدكتور المرابط إلى بناء منهج نقدي قائم على إبستيمولوجيا نقدية، أي على تحليل مناهج التحليل نفسها، والتمييز بين ما هو وصفي وما هو تأويلي، بين ما هو ذاتي وما هو علمي، وبين ما هو أصيل وما هو منقول.

4. الوظائف المتعددة لنقد النقد

حسب الدكتور المرابط، فإن نقد النقد يقوم بعدة وظائف:

- وظيفة تصحيحية: من خلال مراجعة القراءات السابقة، وإبراز ما فيها من تسرّع أو تعميم أو تحريف للمفاهيم.

- وظيفة تأسيسية: تسعى إلى وضع قواعد لممارسة نقدية صارمة ومضبوطة.

- وظيفة معرفية: ترصد مسارات النقد العربي وتفاعله مع المدارس العالمية.

- وظيفة تفاعلية: تفتح أفق الحوار بين مختلف المقاربات والمناهج، بعيدًا عن الإقصاء أو التقديس.

5. نقد التلقي غير الواعي

يرى المحاضر أن بعض النقاد يمارسون النقد على نحو استهلاكي، فيستوردون نظريات الحداثة وما بعد الحداثة دون فحصها أو توطينها، مما ينتج عنه نوع من الاغتراب المعرفي. وهنا يأتي دور نقد النقد كحارس منهجي، يحمي الخطاب النقدي من الفوضى، ويعيده إلى مساره العلمي.

خاتمة

تُمثل محاضرة الدكتور عبد الواحد المرابط مساهمة نوعية في النقاش النقدي المعاصر، إذ تدعو إلى رفع مستوى الممارسة النقدية من التذوق الشخصي أو الانطباع المجرد، إلى مجال علمي دقيق، يقوم على مساءلة أدواته ومفاهيمه ومناهجه. وقد نجح الدكتور من خلال هذا الطرح في أن يُعيد للنقد هيبته، لا بوصفه سلطة، بل باعتباره مسؤولية معرفية ومنهجية، فنقد النقد، في نهاية المطاف، ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة لليقظة العلمية، ومنصة لتجديد الخطاب الثقافي العربي، والانخراط في الحداثة النقدية برؤية أكثر وعيًا وصرامة.

توصيات

1. إدراج "نقد النقد" كمكون رئيسي في المسالك الأدبية واللسانية داخل الجامعات العربية، لتكوين نقاد أكثر وعيًا بمنهجهم.

2. تشجيع البحث في الخلفيات الإبستيمولوجية للنقد العربي**، وربطها بالتحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية.

3. **إعادة قراءة المشاريع النقدية الكبرى (كعبد الفتاح كيليطو، محمد بنيس، كمال أبو ديب...) من زاوية نقد النقد.

4. إنتاج معاجم إبستيمولوجية تُعرّف المفاهيم النقدية المتداولة وتحلل سياقاتها.

5. تنظيم ندوات علمية ومؤتمرات متخصصة في نقد النقد الأدبي**، لتقوية الحوار النقدي الجماعي.

6. **ترجمة الأعمال الغربية المعاصرة في حقل "نقد النقد"**، مع مقارنتها بالتجربة العربية، لا بهدف التقليد، بل من أجل التفاعل النقدي الرصين.

7. **بناء أرشيف رقمي للكتابات النقدية العربية لتسهيل التتبع والتحليل والمقارنة.

8. التشجيع على الكتابة النقدية المزدوجة التي تجمع بين التحليل الأدبي ومساءلة المنهج.


 

عن الكاتب

بيت اللسانيات | Bitlisaniyat

التعليقات

تعليق


اتصل بنا

من أجل البقاء على تواصل دائم معنا ، قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في موقعنا ليصلك كل جديدً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

بيت اللسانيات

2025