" الدكتور العيد بوده والبحث العلمي: إضاءات حول مساراته البحثية"
إعداد: الأستاذ حسن مدان
بسم الله الرحمن الرحيم
{وقل ربي زدني علما}
أقام فريق تعليم اللغة العربية بأكاديمية "بيت اللسانيات الدولية (تركيا)"- يوم الأحد 02 فبراير 2025م على الساعة 17:00 بتوقيت المغرب والجزائر وتونس. وعلى الساعة 19:00 مساءً بتوقيت مكة المكرمة - عبـر تقنية التحاضر عن بعد، وعبر مواقعها التواصلية، – لقاءً علمياً حواريا مع الدكتور العيد بوده ومساراته البحثية العلمية" (الدكتور العيد بوده عضو المجلس الأعلى للغة العربية).
في البداية؛ ألقت الدكتورة "أنفال زيداني"، عضو فريق بيت اللسانيات الأكاديمية الدولية" – مقدمة نـثـرية لطيفة عن أهمية العلم والعلماء في المجتمع المعرفي، حيث قالت: "إن الرقي لأي أمة يتوجب احترام العلم وأهله".
وتضمنتْ، أيضا، هذه المقدمة اللطيفة كلمة ترحيب بأعضاء الفِرَقِ جميعِها، وبـالدكتور: العيد بوده" وبعض ألقابه العلمية (ناقد في التـراث المغاربي، أستاذ ودكتور في الأدب العربي، إلخ).
قَدَّمَ الدكتور " العيد بوده"، في كلمته الأولى، الثناء والشكر لــبيت اللسانيات وأعضائها على مجهوداتهم في هذه الفرص العلمية والبحثية. وأهمية اللسان العربي المبين.
تميز هذا اللقاء العلمي بــالمحاور التالية: المسيرة العلمية للدكتور العيد بوده وإنجازاته- التحديات -تعريف الأدب -العلاقة بين الأدب والنقد- الكتابة الأدبية النثرية - ماذا يعني البحث الأنثروبولوجي- تجربة في تحقيق المخطوطات – المشاريع المستقبلية -نصائح موجهة للطلبة الباحثين.
أشار الدكتور العيد بوده إلى المراحل التعلمية التي مر منها: من مرحلة الكتاتيب، مرورا بالمرحلة الابتدائية والثانوية، ثم مرحلة التعليم العالي الأكاديمي. مبين دور أبويه في تعليمه.
تطرق الدكتور إلى التحديات التي واجهته في مشواره الدراسي"، وأهمها: التحدي الجغرافي، ويعني به المحيط الجغرافي للمنطقة التي يعيش فيها بسبب قلة المؤسسات التربوية ووسائل النقل، وقلة الوسائل التي تمكن من مواكبة التطور المعرفي. ثم التحدي المادي، ويتجلى في كونه ينحدر من أقصى الجنوب وهو ما جعل التكاليف المادية تزداد يوما بعد يوم، لكن ذلك لم يمنعه في مواجهة هذه التحديات والتأقلم مع الوضع، لذلك حاول أن يعمل في إطار عقود مؤقتة من أجل الاستفادة منها في التكوين الأكاديمي، وتوفير بعض الوسائل المساعدة على البحث العلمي الأكاديمي مثل شراء حاسوب وطباعة، إلخ.
أشار الدكتور إلى مدى اهتمامه بمجالين مهمين في حياته: المجال الإعلامي، والمجال الأدبي. فقد كان في بدايته شغوفا بالأدب العربي. لكن بعد مشاورته مع أبيه تمكن من الاهتمام بالأدب العربي في مشواره الأكاديمي؛ فوجد نفسه يمارس أيضا الجانب الإعلامي بطريقة غير مباشرة. وهذا يعني أنه زاوج بين الأدب والإعلام.
تحدث الدكتور عن الأدب، واعتبره من أجمل المفاهيم التــي تلقاها. فالأدب كما يرى هيكل عبارة عن تصوير وكتابة بلغة جميلة". وهذا يعني أن الأدب هو مواكبة الواقع أي مواكبة قضايا مجتمعية (الفرح، الهموم، الأحزان، الأمل، إلخ). ودعا الدكتور إلى أنه يجب نقل الواقع، بغض النظر لطبيعته، بقلم أقل تخفيفا للقارئ المتلقي. وهذا لا يعني تغطية الشمس بالغربال، ولكن، المعنى أنه يجب أن نعبر عن الواقع بطريقة خفيفة حتى يكون المتلقي يقبل هذا الواقع.
وبينا، أيضا، أهمية النصوص الأدبية والشعر العربي القديم والحديث في تنمية الذوق الفني للمتلقي وفي تغيير الواقع ومن أمثال هؤلاء الأدباء والشعراء نجد "أحمد شوقي، إيليا أبو ماضي، حافظ إبراهيم، جبران خليل جبران، طه حسين، إلخ. فالأدب، في نهاية المطاف، هو الذي يؤثر في المتلقي ويجعله متذوقا.
لقد طرحت الدكتورة" أنفال زيداني" سؤال العلاقة بين الأدب والنقد" مستندة إلى رأي بروكلمان الذي يعتقد أن الأدب ينقسم إلى نتاج عقلي ونتاج عاطفي. مستفسرة عن هذه العلاقة.
وجوابا عن ذلك؛ تطرق الدكتور العيد بوده إلى أن العلاقة بين الأدب والنقد علاقة أساسية، فهما وجهان لعملة واحدة. ويظهر ذلك، مثلا، من خلال الجهود النقدية العربية القديمة مثل جهود الأصمعي، وعبد القاهر الجرجاني. وكذلك في الدراسات النقدية الحديثة مثل نظرية التلقي وتداخل الأجناس، وشعر التفعيلة، والأدب النسائي، وأدب المهجر، والأدب المقارن؛ مما يصور الجانب العقلي في الحياة الأدبية.
وقد أبرز الدكتور دور الكتابة الأدبية النثرية السابقة في تطوير مهارته المعرفية والأدبية والنقدية، وامتلاك رؤية(رؤى) من أمثال كتابات مصطفى لطفي المنفلوطي وجرجي زيدان وآخرين.
تحدث الدكتور العيد بورده عن تجربته مع البحث الأنثروبولوجي على أن الأنثروبولوجيا علم يهتم بدراسة الإنسان. لذلك فإن الدكتور "العيد بوده" مهتم بالبحث الأنثروبولوجيا لأنه بحث يقوم على الموضوعية والتمكن من أدوات البحث.
وقد حاول الدكتور، في أبحاثه الأنثروبولوجيا، أن يهتم بمنطقته لأنها مسقط رأسه، فاهتم ببيان خصوصياتها وبعض النقوش الحجرية التي توثق للحيوانات ورسومات تؤرخ للجانب الوجداني وهذا يمكن تسميته، موجزا، بالتراث المادي. أما التراث اللامادي فيتضح من خلال تحقيق بعض المخطوطات.
تطرق الدكتور إلى الأنثروبولوجيا النظرية (المنطلقات المعرفية) والتطبيقية، أشار الدكتور إلى أن الفراغ الذي تركه السابقون جعله يهتم بتحقيق المخطوطات من خلال التفرغ والنبش والتنقيب في الذاكرة المعرفية والاجتماعية والثقافية. وذلك من خلال اتضاح الصورة والخلفية المعرفية لـجده واستثمارها في تحقيق المخطوطات. وقد دعا، أثناء حديثه عن المخطوطات، إلى التيسير على المتلقي حتــى يتمكن من إقراء الكتاب والتشجيع على ذلك من خلال المطالعة والصبر.
أما بعض المشاريع المستقبلية للدكتور فتتجلى في دراسة الأنثروبولوجيا ومشروع تحقيق مجموعة من المراسلات والفتوى والتساؤلات، إلخ. وكذا، مشاريع طبع مجموعة من الأعمال والحياة النقدية في للمغرب العربي الإسلامي (دراسة موسعة).
قدم الدكتور بعض النصائح للطلبة الباحثين، ومن بينها: الجدية بعد التوكل على الله، والتحري بالتواضع المعرفي والأخلاقي.
صراحةً، لقد كان هذا اللقاء العلمي ممتعا وغنيا بمجموعة من الأفكار عن الأدب والأنثروبولوجيا والمخطوطات التي حققها الدكتور" العيد بوده" وباقي تجاربه العلمية.
وفي الختام (ختام اللقاء)، أشارت الدكتورة" أنفال زيداني" إلى أن كل خطوة في سبيل العلم نبني مجتمعنا". وقدمت، من خلال هذه الكلمة الختامية، عبارات الشكر والامتنان للدكتور" العيد بوده" على مسيرته العلمية القيمة، مع دوام الصحة والعافية.
تعليق