جديد نموذج العنونة في اللسانيات التوليدية
إعداد: ذة. شـهـبـون نـدى
نظمت أكاديمية بيت اللسانيات الدولية محاضرة علمية موسومة بجديد نموذج العنونة في اللسانيات التوليدية، ألقاها الدكتور الباحث إبراهيم لحمامي، وذلك يوم الخميس 23 يناير 2025، على الساعة السابعة مساء، عبر تقنية التحاضر عن بعد، وقد أدارت الدكتورة حنان المراكشي هذه المحاضرة العلمية، التي افتتحتها بإلقاء التحية والترحيب على الحاضرين في هذا المحفل العلمي، وشكر القائمين على تنظيم أنشطة بيت اللسانيات الدولية، من مديرها ونائبته، وكل الفِرق المنضوية تحت لواء الأكاديمية، التي تروم من خلال تنظيم مثيل هذه المحاضرات توسيع آفاق العلم، ودعم البحث العلمي في جميع المجالات لفتح آفاق جديدة للابتكار والإبداع.
انتقلت بعدها مديرة اللقاء إلى التعريف بموضوع المحاضرة، ثم بالدكتور "الأستاذ إبراهيم لحمامي" مبرزة اهتماماته البحثية، إنجازاته، ومشاركاته العلمية. ثم مررت الكلمة للضيف المحاضر، الذي بدروه استهلها بتقديم عبارات الشكر والثناء لبيت اللسانيات الدولية، وللجانها وأعضائها على جهوداتهم، ثم أخذ في عرض محاور محاضرته على الشاكلة التالية:
ما قبل نموذج العنونة.
جديد نموذج العنونة في اللسانيات التوليدية.
آفاق نموذج العنونة في الدرس اللساني العربي.
ركز الباحث في المحور الأول، المتعلق بما قبل نموذج العنونة، على نموذج المبادئ والوسائط، لإبراز السبب الذي دفعهم للتخلي عنه لصالح البرنامج الأدنوي. في البداية عرّف بهذا النموذج (PP)؛ "Principles and Parameters"، الذي بُلوِر في ضوئه كمّ هائل من الأبحاث اللسانية، التي انصبت على النحو الخاص على حساب النحو الكلي، فأفرزت لنا نموذجا مليئا بالعمليات، المبادئ، التعميمات، القيود، والإسقاطات، لدرجة أن عموم اللسانيين افترضوا أن لكل ظاهرة لغوية إسقاطا خاصا بها؛ فنجد مركب الفاعل، م. الوجه، م. الجهة، وغيرهم من المركبات التي أثقلت كاهل النموذج النحوي.
ثم بيّن سبب الإفراط في هذه المركبات، وهو طبيعة النموذج النحوي الذي صيغ في هذه الفترة، وهذا معناه أنه مكون من نظريات فرعية كثيرة، تناولت الخصائص اللغوية للغات ولم تتجه لخصائص النحو الكلي، لذلك جاء النموذج مثقلا بالإسقاطات، ونأى عن أهداف اللسانيات التوليدية المتمثلة -كما حددها شومسكي 1957- في: شرطا البساطة والاقتصاد Simplicity and Economy.
كما أشار الباحث بعدها أنه إلى جانب كثرة المركبات هناك قضية الشطر، فمنذ أن شُطِرت الصرفة إلى التطابق والزمن والأبحاث تسعى للاستفادة من هذا الشطر. فشومسكي شَطر التطابق إلى تطابق الفاعل وتطابق المفعول، ثم شُطِر المركب المصدري إلى الموضع، البؤرة..
كل هذه الأسباب دفعتهم لتجاوز نموذج المبادئ والوسائط لصالح نموذج أخر؛ هو البرنامج الأدنوي Minimalist Program، وهذا ما تناوله الباحث في المحور الثاني، عبر النقاط التالية:
ما هي مبررات هذا النموذج النظرية والتجريبية؟
ما الجديد بهذا النموذج؟
ما هي مشاكل التطابق في هذا النموذج النظرية والتجريبية؟
العنونة بين الفرادية كما في شومسكي (2013) و(2015) والعنونة بالتعدد كما في النحو العربي.
استراتيجيات العنونة؛ العنونة بالرأس، العنونة بالتفاعل السيماتي، النقل، التطابق والإعراب.
قدّم المحاضر في بداية هذا المحور محاولة شومسكي في التخلص من المشاكل التي تطرحها الإسقاطات من خلال عمله (2013)، (2015) حيث أعاد النظر في التصورات المؤسسة لنظرية بنية المركب، وما ينتج عنها من مشاكل الإسقاطات وعنونة الموضوعات التركيبية، فتمّ افتراض عملية ضم -على حساب س- خط المفترض في المبادئ والوسائط- وقد مكنت (ضم) من بناء الموضوعات التركيبية على نحو حر. وقد بنى شومسكي عمله هذا، على فرضية مفادها أن العناوين والإسقاطات التركيبية غير ضرورية في التركيب، وإنما هي ضرورية في الوجاهين الدلالي والصواتي. وأشار الدكتور المحاضر في هذا الصدد، أن فكرة العناوين التي تبناها (شومسكي 2013/ 2015) تعود لبحث المركب العاري المبلور في (شومسكي 1994) حيث عنون الإسقاطات التركيبية بالرؤوس المعجمية. وقد استثمر شومسكي نتائج هذا البحث في نموذج العنونة، ينضاف إلى هذا أعمال أخرى ألهمته مثل (collins 2002) الذي دافع على نموذج خال من العناوين، سمّاه بحذف العناوين، ثم عمل تشيشيطو ودوناتي.
وعليه، خلص المحاضر هذه النقطة -وفقا لافتراض شومسكي 2013- إلى أن الإجراء ضم يعمل في استقلال عن العنونة، وأن العناوين ضرورية فقط في الوجاهين الدلالي والصواتي، اللذان يعملان على تأويلهما على مستوى أنساق الإنجاز. وبناء على هذا، تعد العناوين ضرورية لسلامة تكوين البنى التركيبية، الشيء الذي يجعلها نوعا خاصا للقيود الوجيهية.
في نقطة ثانية، ربط الباحث التصور أعلاه بالأطروحة الأدنوية المبلورة في شومسكي (2001)، والتي تذهب إلى أن اللغة عبارة عن حل أمثل للقيود الوجيهية/ قيود المقروئية، وعلى هذا الأساس فإن العملية ضم، في نموذج البرنامج الأدنوي إلى نموذج العنونة تشتق بنى تركيبية مختلفة تحدد أساسا وفقط في ثلاثة أنماط، ساقها الباحث على النحو الآتي:
بنية شجرية تتكون من رأس مضموم إلى مركب.
بنية شجرية مكونة من مركب مضموم إلى مركب.
بنية شجرية مكونة من رأس مضموم إلى رأس.
بالنسبة للبنية الشجرية الأولى المتجسدة في ضم رأس إلى مركب لا إشكال فيها؛ إذ الرأس هو الذي يعنون. إشكال الإسقاطات -كما تحدث عنه شومسكي- يتركز حول البنيتين التي يُضم خلالهما مركب إلى مركب، أو رأس إلى رأس. ولحل هاتين المشكلتين اقترح شومسكي خوارزميين، يتحدد الأول في النقل؛ وذلك عند ضم مركب إلى مركب فإنّه يجب أن ينتقل أحد المركبين إلى إسقاط يعلوه مباشرة، لكي يترك المركب داخل الإسقاط الذي ضُمّ معه في البنية الشجرية ليعنون إسقاطه. ولتبيان ذلك جيدا، قدّم الباحث زمرة أمثلة وضح خلالها عملية النقل.
بعدها انتقل للخوارزم الثاني المتمثل في التطابق، أو كما يسميه شومسكي بتقاسم التطابقsharing agreement، مفاده أن المركبات تنتقل بهدف تقاسم السمات إلى الموقع الذي تنتقل إليه، وقد أزكى المحاضر كل هذه التصورات بأمثلة تجريبية.
فيما يخص المحور الأخير، الموسوم بآفاق نموذج العنونة في الدرس اللساني العربي، فقد خصصه المحاضر لتقاسم زمرة أوراق بحثية حاول من خلالها الانخراط والمشاركة في بلورة نموذج العنونة نظريا وتجريبيا، وقد قدمت هذه الأوراق في ندوات وطنية ودولية، ونشرت في مجلات لسانية. وتعنون أول ورقة بحثية ب: كيف نستفيد من العنونة في الرتبة العربية: ف، فا، م به؟
بيّن الباحث الإشكال الذي يطرح هنا، والذي يتمثل في عنونة الموضوع التركيبي: (م حد)، (م ف خ) في المجال الإسقاطي في الوجاهين سواء في الرتبة "ف فا م به" أو "فا، ف". ولحل هذا المشكل اقترح الباحث بعض الحلول للرتبة "ف، فا"، نذكر منها نقل الرأس؛ بمعنى أن الموضوعات التركيبية تعنون من خلال نقل الرأس. أما بخصوص الرتبة "فا، ف" فافترض أن هناك عملية توريث المركب المصدري سمة الموضع؛ حيث تتحدد عنونة هذا الإسقاط من خلال تقاسم سمة الموضع بين المركب الحدي الفاعل الموسوم بسمة الموضع، وبين إسقاط الزمن الذي ورث هذه السمة من المصدري.
ورقة ثانية: نموذج العنونة فعّال في رصد خصائص البنيات ذات الفاعل الفارغ على أساس أن اللغة العربية من اللغات التي تسقط الفاعل، في هذا البحث تطرّق المحاضر إلى أن اشتقاق البنية التركيبية (ضم)؛ ضم صغير وليس الكبير، يتحقق وفق خطوات قليلة تمكنه من الحصول على عنونة مناسبة في الوجاهين، دون حاجة للبحث في العمليات التركيبية المرتبطة بتسويغ سمات أخرى كالإعراب، وعليه ينتقل (ضم) من المجال المحوري المحدد في (مخصص م ف خ) إلى (مخصص م ز)، لأنه يتقاسم معه سمة شخص على اعتبار أن بنيات الفراغ الفاعلي في اللغة العربية تتضمن شخصا مقيما كما بيّن الفهري 2010، ووضح المحاضر في هذا الصدد تبعا للفهري أن الصرفة العربية مخصصة بشخص كما في البنية (يأكل هنا) التي تدل على وجود شخص معين يأكل في هذا المكان.
ورقة ثالثة: التأويلية الوجاهية في نموذج العنونة.
بيّن المحاضر في هذه الورقة البحثية خلافا لشومسكي (2013) (2015) وكذلك لريدزي أن التأويل الوجاهي يتحقق أيضا في الصورة الصوتية وليس فقط في الصورة المنطقية، وتطرق لبيينكي التي تتبنى فرضية التأويلية الوجاهية في الوجاه الدلالي من خلال العنونة بالسمات الدلالية المنطقية.
ورقة رابعة: عن وضعية التطابق في نموذج العنونة.
تناول المحاضر في هذه الورقة المشاكل التي يطرحها التطابق في نموذج العنونة، منها ما هو نظري نحو أن التطابق يطرح مشكلا بالنسبة للتأويل، ينضاف إلى هذا أن تقييم التطابق بين موضوعين تركيبيين هي عملية مركبة من النقل والعلاقة مخصص رأس، وهو ما يجعلها متنافية مع مبادئ الاقتصاد. ومنها ما هو تجريبي شأن أن مقولة التطابق لا تبرز بالشفافية الكافية التي يتحقق معها التأويل الملائم للموضوعات التركيبية، كما في اللغات ذات الصرف الغني مثل العربية يتحقق التطابق بين الفعل والفاعل بصيغ مختلفة، تارة يكون [+عدد] وتارة [-عدد]. وقد اقترح الباحث جملة حلول، نذكر منها: تفكيك مقولة التطابق إلى سماتها المكونة منها؛ العدد، الجنس، الشخص، وعليه تَمكن الوجاهين الدلالي والصوتي من عنونة مختلف الأنماط الجملية في اللغة العربية.
ذيلت هذه المحاضرة العلمية الوازنة والمفيدة بمناقشة غنية، تفاعل فيها الحضور الكرام وأثروا اللقاء بأسئلة بناءة، نسوق بعضا منها مرفقا بإجابات الدكتور المحاضر على المنوال التالي:
ما العلاقة بين النموذج الجديد والنظريات اللغوية الأخرى مثل النحو الوظيفي واللسانيات المعرفية؟
بيّن المحاضر أن إطار اشتغال النظرية التوليدية هو مخالف تماما للنحو الوظيفي، فالأولى تبحث في الملكة الذهنية، أما اللسانيات الوظيفية تبحث في القدرة التواصلية. أما فيما يخص علاقة التوليدية بالمعرفية فهي في صلبها، لأنها تبحث في أمور متعلقة بعلم النفس التربوي.
كيف يساهم نموذج العنونة في التحليل الدلالي للجمل المعقدة؟
وضّح الباحث أن نموذج العنونة نموذج كلي، يبحث في خصائص اللغات باختلاف نمط الجملة.
كيف يمكننا الاستفادة من نموذج العنونة على المستوى البيداغوجي؟
أبرز الباحث من خلال نقاش مستفيض ومعطيات تجريبية أنه يمكننا الاستفادة من نموذج العنونة من خلال تجديد الأوصاف النحوية، كالاصطلاح على الجملة الاسمية بالجملة غير الفعلية.
تعليق