استثمار المعجم التاريخي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها
تقرير: منال صلاح جبريل
نظم فريق باحثون التابع لأكاديمية بيت اللسانيات الدولية يوم الجمعة 17 نوفمبر 2023، الساعة السادسة مساء بتوقيت المغرب والجزائر، الثامنة بتوقيت مكة المكرمة، محاضرة علمية عنوانها :" استثمار المعجم التاريخي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها – معجم الدوحة نموذجا-"، أطرها الأستاذ عماد الفزازي ، الباحث في تخصص اللسانيات وقضايا اللغة العربية، جامعة محمد الخامس بالرباط-المملكة المغربية.
استهل
اللقاء العلمي بتحية وترحيب المسيرة الأستاذة خديجة مكاوي بالضيف المؤطر للنشاط والحضور المتابعين، علاوة
على الإشارة إلى سياق النشاط وغايته، لتنتقل إلى عرض موجز لسيرة المؤطر الذاتية لخصت
فيه مسيرته العلمية والمهنية، وأهم الإسهامات البحثية التي قدمها.
بعد ذلك
تفضل الأستاذ المؤطر بالشروع في محاضرته العلمية، حيث تناول عددا من المحاور وفق
تسلسل نسقي يمكن إيجازه على النحو الآتي:
-
بداية استهل الأستاذ المؤطر محاضرته بشكر القائمين على أكاديمية بيت اللسانيات
الدولية، والإشادة بجهود ها في خدمة اللغة العربية. تحدث بعد ذلك عن أهمية صناعة المعاجم اللغوية
العربية، وأن هذه الصناعة على أهميتها شهدت تراجعا ملحوظا على مر قرون عديدة. جاء بعد ذلك مشروع المعجمية التاريخية الذي
قامت عليه في السنوات الأخيرة عدد من المؤسسات مثل: مشروع معجم الدوحة يرعاه مركز
الدراسات والسياسات بقطر، ومشروع الشارقة برعاية اتحاد مجامع اللغة العربية
بالقاهرة، وهي من المشاريع الرائدة والمهمة في سياق النهوض باللغة العربية على
كافة الصعد، والتساؤل الذي يطرحه المحاضر – موضوع المحاضرة-: أين يمكن استثمار هذا
المعجم، وما أوجه الإفادة منه؟ ويصرح بأنه
سيقتصر على أهميته في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.
-
عرض تفاصيل الموضوع والاستدلال لها: عرض الأستاذ ، باستخدام شاشة
العرض المعدة ،أهم المعطيات والمحاور التي سيتناولها:
-
المدخل العام: أهمية استثمار المعجم التاريخي في تعليم
اللغة العربية للناطقين بغيرها.
-
المحور الأول: بيان المفاهيم والأسس المتعلقة بالمعجم
واستثماره في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.
-
المحور الثاني: يعنى بالمعجم وتعليم اللغة العربية
للناطقين بغيرها، تحليل نماذج من معجم الدوحة التاريخي.
-
أخيرا النتائج والتوصيات.
وإليكم بيان بأهم ما جاء في تلكم المحاور السابقة:
1-
فيما يتعلق بأهمية استثمار المعجم في تعليم اللغة
العربية لغير الناطقين بها؛ ما قررته الدراسات اللسانية من أهمية له لا سيما في
فرع اللسانيات التطبيقية المتعلقة بتعليمية اللغة. إذ تنص هذه الدراسات على أن
تعلم اللغة العربية لا بد أن يعتمد على اكتساب ثروة لغوية جيدة، وهذه المفردات لا مرجع محددا لها
سوى المعاجم اللغوية، من ثم يأتي تعلم قواعد النظام
اللغوي في مناحيه النحوية والصرفية الأخرى. كذلك فإن المعجم يبين المعنى اللغوي
للمفردات واستعمالاتها السياقية المختلفة وسجلات تطورها عبر العصور. ينطلق المؤطر في التأسيس لأهمية استثمار المعجم
التاريخي في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من مقاربة السؤال المرجعي: كيف
يتعلم المتعلمون؟
حيث وجد أن الوثائق
المرجعية العالمية لتعليم اللغات الأجنبية ومنها الإطار المرجعي الأوروبي المشترك
لتعليم اللغات يعترف بأنه لا يوجد إجماع على الطريقة أو الكيفية التي يتعلم بها
المتعلمون.
على الرغم من تعدد
النظريات حول تعلم اللغات فإن الشائع هو تبني طريقة التعلم الواعي والتدريب
الكافي. بناء على ذلك يحاول المؤطر إبراز
الكفاءة التعليمية للمعجم التاريخي عن طريق تقديم مقترح تطبيقي من معجم الدوحة التاريخ ، وهذا في نظره كفيل
بأن يقدم معلومات كثيرة للمتصفح والمتعلم. كما يثبت به كفاءة هذا المعجم بإكساب
المتعلم ثروة لغوية هائلة.
2-
المصطلحات والمفاهيم:
أ-
مفهوم المعجم: قديما اشتق من مادة عَجَمَ، والعجمة تعني
الغموض والإبهام، والعجم خلاف العُرب والعَرب. ومن هنا جاءت كلمة الأعجم وهو من لا
يفصح ولا يبين كلامه. وقولك أعجمت كلامك خلا فأعربته. ( لسان العرب) أي ارتبطت كلمة المعجم بالعجمة في مقابل
الإفصاح.
استخدمت كلمة المعجم بالمعنى الشائع اليوم أول مرة من قبل علماء الحديث؛ ( معجم الصحابة)
لأبي يعلى الموصلي (ت 370ه). وعنه أخذ العلماء اسم المعجم.
كما يمكن تعريفه حديثا بأنه كتاب حمل عنوان يضم بين
دفتيه المفردات مشروحة على نحو مخصوص ورقيا أو رقميا.
ب- مفهوم القاموس: من مادة قمس أي انغط ثم ارتقى ، او هو قعر
البحر.أول من استخدم القاموس للدلالة على المعجم هو الفيروز أبادي في القاموس
المحيط، ثم شاعت بعده.
المحدثون بعضهم خصص القاموس للدلالة على الكتاب الذي
يشرح الكلمات ، والمعجم للدلالة على المعجم الذهني. المؤطر يعتمد المعجم لسبب واحد
أن تم استخدامها بالمعنى الموسع الدلالي وليست كلمة تدل على كتاب.
ت- مفهوم المعجم التاريخي: هو نوع من المعاجم
أحادية اللغة، يرمي إلى تزويد القارئ بتاريخ تطور الكلمات منذ ظهورها إلى عصرنا
الحالي. فتكمن أهميته في أنه يبين تاريخ كل لفظ استعمل في اللغة، أي يصف اللغة في
بيئتها وعصرها. إضافة إلى أنه يوثق كل لفظ في شكله ومعناه. مثال: كلمة أدب:
استخدمت في الجاهلية بمعنى مأدبة الطعام، ثم تطورت لتدل على الأخلاق، ثم أصبحت تدل
على فرع من الثقافة؛ يقال الأدب العباسي، وفلان أديب وهكذا.
المحور الأول: الأسس العلمية لاستثمار المعجم في تعليمية
اللغة العربية لغير الناطقين بها.
-
تؤكد معظم الدراسات المعجمية المعاصرة أن المعجم تجاوز
الوظيفة التفسيرية التوضيحية إلى الوظيفة المعرفية التثقيفية. أي أنه لم يعد كتابا لشرح الغامض من الألفاظ فقط
بل هو علاوة على ذلك كتاب مرجعي لتعليم اللغة وثقافتها. يستشهد بأقوال تربويين عرب
وأجانب مثل د علي القاسمي الذي يلح على مدرسي اللغة بأن يزودوا تلامذتهم بثقافة
معجمية ؛ لأن إهمال هذا الجانب الحيوي في التربية اللغوية لا يسبب ضعف الطالب
باستخدام المعجم فحسب وإنما يسبب ظهور مفاهيم خاطئة عن المعجم. وهو ما يذهب إليه سكولد فايلد إذ يؤكد على الباحثين في مجال تعليم اللغات الأجنبية أن يولوا أهمية كبرى للمعجم واستعماله؛ لأن
استعمال المعجم في تصوره يسهم إيجابا في إثراء حصيلة المتعلم اللغوية.
-
على ضوء ما سبق، يرى المؤطر أن توظيف المعجم الإلكتروني التاريخي في غاية
الأهمية، و هو الأقدر والأجدر على النهوض بمهمة تعليم اللغة العربية وثقافتها
للناطقين بغيرها. كونه سجلا تاريخيا يوثق
اللغة وألفاظها، إضافة إلى تقديمه ثقافة عامة.
-
يقدم المؤطر أهم الأسس التي يطرحها المتخصصون التربويون
في مجال تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها؛ أمثال رشدي طعيمة، حيث يقسم أنواع
التعليم إلى:
1-
التعليم المعياري: ويقصد به تعليم أصوات اللغة وتصحيح
النطق بها، والمفردات والتراكيب.
2-
التعليم الوصفي: ويختص بتعريف المتعلم بخصائص اللغة وما
تمتاز به عن غيرها من اللغات. أي ان تعليم الناطقين بغير العربية يتطلب إدماج
مجموعة من المعلومات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا المتعلم ليس له سابق معرفة
باللغة العربية، فهو بعيد عنها. و أمامه تحد مزدوج؛ تعلم اللغة، وفهم ثقافتها.
- أما كمال
الناقة ومحمود البطل فيقدمان عددا من الأسس التي تلائم تعليم العربية للناطقين
بغيرها، أهمها:
1-
استخدام اللغة بشكل طبيعي بعيدا عن التصنع والتكلف.
2-
تقديم المفردات في سياق ثقافي بسيط واضح.
3-
ضبط النصوص اللغوية ضبطا تاما.
4-
ربط النصوص بمعجم لشرح المفردات.
هنا يبدو أن كلام الباحثين يتفق مع الفرضية التي يصدر عنها المؤطر، و تتمثل في أن
تعليم اللغة ومفرداتها يستلزمان تحصيل معرفة معجمية واسعة. إذ إن المستوى
المعجمي في نظره هو المحور الذي تنتظم
حوله كل المستويات الأخرى؛ فعلم الأصوات والصرف والنحو لن يجدي نفعا إذا لم يتعلم
الطالب معرفة معجمية واسعة، فيكون المعجم منطلقا للتعليم ؛ لأنه يقدم كل تلك
المعارف اللغوية بالإضافة إلى المعارف الثقافية. يشير هنا أيضا إلى أهمية المعاجم
الإلكترونية وما يقدمه من تسهيلات للمستخدمين.، وخاصة معجم الدوحة التاريخي الذي
صدر بنسخة إلكترونية .
المحور الثاني: تناول
فيه المؤطر تحليل نماذج من مداخل معجم الدوحة التاريخي الإلكتروني:
-
يأتي اختيار المؤطر لمعجم
الدوحة التاريخي الإلكتروني لأنه يوافق ما يرومه كل متعلم للغة من الناطقين بها
وبغيرها من جهة، إضافة إلى سهولة التعامل معه، ومواكبته للتطور الرقمي من جهة
أخرى. ناهيك عن قابليته المستمرة للبحث
والتطوير والإضافة.
-
للتمثيل على ذلك يعرض المؤطر نموذجا يمكن تطبيقه
على المعجم من موقعه الإلكتروني مباشرة، https://www.dohadictionary.org/ وهو الجذر (ح ب ب)، يجد المتصفح هذا الجذر
تحت حرف الحاء، ثم يعرض المعجم هذه الكلمة أولا في النقوش القديمة التي ظهرت عام
150 قبل الهجرة- 476م. ثم استخدمت في الفعل (أحب ): بمعنى أحبه وتعلق به، ويورد
شواهد من الشعر، ثم أحبب به أي تعجب من شدة حبه له، وأحب البعير: برك فلم يبرح
مكانه وكان هذا الاستعمال سنة 20 ه - 671م ،أما الحب: الخشبات الأربعة التي توضع
عليها الجرة. وهكذا يتنقل المعجم في اشتقاقات الجذر الاسمية والفعلية تاريخيا
وسياقيا، يعضد ذلك بشواهد شعرية أو قرآنية إلى أن يأتي على كل استخداماتها.
-
تأسيسا على ما سبق، يخرج المؤطر
بتصور كلي حول ما يقدمه المعجم للمستخدمين من فوائد لا تقتصر على شرح الجذر أو
الكلمة وتاريخها فحسب، وإنما هناك فوائد أخرى مثلا يتعرف إلى نطق الكلمات عن طريق
كتابتها المباشرة، واشتقاقاتها الصرفية المتنوعة، أما توظيف الكلمات في جمل
وتراكيب مختلفة يغني الجانب النحوي للغة، ناهيك عن الشواهد التي تثري الجانب
الثقافي وهكذا.
-
يخلص المؤطر بالنتيجة إلى أن
استثمار هذا المعجم التاريخي يفيد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها أيما
إفادة، ويقترح بكل ثقة أن يوظف بشكل عملي ومنهجي في تدريس هذه الفئة. علاوة على توظيفه في مجالات أخرى، كتعلم النحو
والصرف وهكذا. كما يدعو إلى توجيه الطلبة إلى تحميله على هواتفهم.
-
المناقشة والاختتام: بعد إنهاء المؤطر المحاضرة، بين أهم المراجع التي وثق
منها. ثم عرضت المسيرة لأهم الاستفسارات التي تفاعل بها المتابعون مع موضوع
المحاضرة، وقد قام المؤطر مشكورا بالإجابة عنها.
تعليق