بيت اللسانيات بيت اللسانيات

آخر الأخبار[vcover]

جاري التحميل ...

تعليق

نظرية الصفر في النحو

 

نظرية الصفر في النحو

                                                الدكتورة سناء حميد البياتي

(١)

الأسس والمنطلقات

مقدمة

.. لم يكن يخطُر بفكري في الثمانينات من القرن الماضي (1981-1983) وأنا طالبة ماجستير أخطو خطواتي الأولى باتجاه البحث، أنني أنتهي من تلك المرحلة برسالة تحمل عنوان ( نظام الجُملة العربية ) وهو في الواقع نظام لكل اللغات التي يمكن الترجمة منها وإليها.

وليس ذلك بغريب أن يتمّ التوصل الى نظام اللغات عمومًا من خلال إحدى اللغات مادام مقرّ النظام في انتاج اللغات كافة يكمن في دماغ الإنسان،  فتوغلت في دماغي أحمل معي كاميرا حسيّة، وجعلتُ دماغي مختبرًا، اختبرتُ فيه أنواعًا متعددة من الجُمل، وأنا أنطقُ بها وأتحسسُها مراتٍ ومرات، حتى اكتشفتُ المراحل التي تمرّ بها الأفكار قبل أن تولد فتصبح جُملا منطوقة أو مكتوبة، أي نظامها في الدماغ، وهذا النظام تشترك به جميع اللغات، وقواعده هي قواعد النحو الكلي( Universal Grammar).

ما هو الصفر في مجال اللغة ؟

 اللغة إنجاز إنساني متفرد وهو من أكثر إنجازات دماغ الإنسان تعقيدا، وعند تحليل أية لغة من لغات البشر نجدُها تتألف من مجاميع من الجُمل، والجملة هي أصغرُ تأليف يعبّر عن فكرة تامة، والأفكار تنشأ في دماغ الإنسان، وفي دماغ الإنسان يتم تأسيس الجمل المعبّرة عن تلك الأفكار نطقا أو كتابة، وفي الدماغ يتمّ تنظيم العلاقات والربط بين الأجزاء التي تحتوي عليها الفكرة، وتُعدّ مرحلة التنظيم التي يتم بها إنجاز الجُمل وتحويل الفكرة التي تحتوي على أجزاء أي - مفاهيم متعددة - إلى جُملة تُعبّر عن أجزائها بكلمات مرتبطة بعضها مع بعض بعلاقات معنوية منظمة، هذه المرحلة التنظيمية التي تسبق ولادة الجُمل كافة هي مرحلة (الصفر) ومقرها في دماغ الإنسان .

إنّ مرحلة الصفر في اللغة هي المرحلة الماثلة ما بين انبثاق الأفكار والجُمل المعبّرة عنها، وبعبارة أخرى هي مرحلة تأسيس الجُمل في الدماغ على وفق نظام معين مستقر فيه، وهذا النظام يرثه الإنسان كما يرث نُظمًا متعددة لإنجاز فعالياته المختلفة،  ويشغّله عندما تتهيأ له ظروف التشغيل، وكما انّ الصفر في الرياضيات هو مرحلة بدء الأعداد وانطلاقها، وهو مرحلة تتوسط ما بين الأعداد الموجبة والأعداد السالبة، كذلك الصفر في اللغة، هو مرحلة البدء لإنجاز الجمل أو لإنتاجها لأنه مرحلة التنظيم والتأسيس التي تسبق ولادة الجمل بجميع أنواعها، وهو مرحلة تتوسط ما بين انبثاق الأفكار والجُمل المعبّرة عنها، وكما كان اكتشاف الصفر حدثا علميًا مهمًا في مجال الرياضيات ، كذلك حال اكتشاف مرحلة الصفر في مجال اللغة.

نظام مرحلة ( الصفر ) في الدماغ

ذكرتُ أنّ مرحلة الصفر في الإنتاج اللغوي تكمن ما بين الفكرة والجملة المعبّرة عنها، ويمكن القول إن الفكرة بعد انبثاقها، وبعد أن يتخذ الدماغ قرارًا بالتعبير عنها بواسطة اللغة، تدخل في مرحلة الصفر، أي في معمل إنتاج الجُمل، وقد اكتشفتُ أن معمل إنتاج الجُمل في الدماغ مكوّن من ثلاثة أقسام، ينتقل العمل فيها من الكل إلى الجزء، ونظام عمل كل قسم كما يأتي:

القسم الأول :

يتم فيه تحديد المعنى العام للفكرة (الكل) فيما إذا كانت إخبارية مثبتة أو منفية أو استفهامية أو شرطية أو غيرها، وتحديد المعنى العام للفكرة إما أن يكون  بدون أداة، وتلك هي الفكرة الإخبارية المثبتة، أو يتمّ تحديد المعنى العام للفكرة بأداة، وتلك للفكرة الاستفهامية والمنفية والشرطية وغيرها مما يتم تحديد معناها العام بأداة أو بطريقة معينة في الإنجاز بحيث يتميز المعنى العام للفكرة، ثم ينتقل الإيعاز إلى القسم الثاني.

القسم الثاني :

في هذا القسم توجد مديرية الربط بين أجزاء الفكرة، ويتم في هذا القسم تحديد العلاقات المعنوية بين أجزاء الفكرة التي سبق أن تحدد معناها العام، وهذه المديرية تعمل بنظام هرمي لربط المدلولات أي الصور الذهنية للأجزاء التي تشتمل عليها الفكرة، وليس في اللغة عموما أكثر من أربعة معان ذهنية رئيسة رابطة تربط أجزاء الفكرة، واحد منها معنى مركزي رابط عليه تُبنى الجُملة وهو (الإسناد) وثلاثة معان ذهنية أخرى ترتبط بالإسناد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهي:(التخصيص) و (الإضافة) و(التوضيح التابع).

ويشكل (الإسناد) رأس الهرم في النظام الهرمي الذي يعمل بموجبه هذا القسم من الدماغ لربط أجزاء الفكرة، وطرق الربط يتعارف عليها أبناء اللغة الواحدة وهذه تدخل في نطاق القواعد الخاصة بكل لغة ، ثمّ ينتقل الإيعاز إلى القسم الثالث.

القسم الثالث :

يتم فيه تحديد الكلمات (الدوال) المناسبة واختيارها من بين الكلمات الكثيرة المخزونة في هذا القسم من الدماغ، وهذا القسم – المعجم الذهني - يُخزّن الكلمات باستمرار، فيتمّ اختيار الكلمات المناسبة للتعبير عن المدلولات التي اشتملت عليها الفكرة والتي قد تمّ ربطها بالمعاني الذهنية (النحوية) المذكورة سابقا .

فتخرج الفكرة من هذا المعمل وقد أصبحت جملة ذات معنى عام ومؤلفة من كلمات مرتبطة بعضها ببعض بعلاقات معنوية (نحوية) منظمة .

                                                                                                                                      

وهنا تجدر الإشارة إلى أن قانون الفروق الذي تعمل به جميع اللغات لأمن اللبس ولإيصال الأفكار بوضوح يجعل تحديد المعنى العام للفكرة يتمّ إما بأداة ( كالفكرة الاستفهامية والفكرة المنفية والفكرة الشرطية ) أو بدون أداة (الفكرة الإخبارية المثبتة) وتتباين الأدوات بتباين المعاني العامة، فللنفي أدواته، وللاستفهام أدواته ، وللشرط أدواته، وإذا اشتركت أداة واحدة في أكثر من معنى عام ففي نظم الجملة وتأليفها أو طريقة أدائها وتنغيمها ما يميز المعنى العام لإحداها عن الأخرى كالفرق الملاحظ في طريقة نظم الجملة وأدائها بين الجملة الاستفهامية والجملة الشرطية حينما تشتركان بأداة واحدة، في مثل هاتين الجملتين : مَن يقرأ ؟  مَن يقرأ يستفدْ .

توضيح :

ولتوضيح كيفية تأسيس الجُمل (الخبرية المثبتة) في الدماغ قبل ميلادها، نحاول أن نتحسس ما يجري في الدماغ بعد انبثاق فكرة معينة وقبل التعبير عنها بجُملة، ولنأخذ مثلا هذه الجُملة (الوردُ جميلٌ) نُحسّ أولًا أن الفكرة انبثقت ولكنها ضبابية إلى حد ما - وهكذا كل الأفكار تنشأ ضبابية ولكنها تحتوي على مجموعة أشياء بصورة مفاهيم أو صور ذهنية منعكسة عن واقعها خارج الذهن أوعن مفهومها، وهذه الصور هي أجزاء الفكرة أو أركانها - وعندما يتخذ الدماغ قرارًا بالتعبير عن الفكرة باللغة، تدخل الفكرة في معمل إنتاج الجُمل حيث يبدأ بتأسيس الجُملة، ويتم التأسيس بتحديد معناها العام بدون أداة، لأنّ التجرّد من الأداة دليلٌ على نوعٍ معين من الجُمل كما أنّ وجود أدوات دليلٌ على أنواع أخرى من الجُمل، ثم ينتقل الإيعاز إلى مديرية الربط حيث يتم تحديد العلاقة بين الركنين اللذين يشكلان فحوى الفكرة وهما: الصورة الذهنية للورد أي مدلوله ومفهوم الجمال، فيتم الربط بينهما بمعنى ذهني هو (الإسناد)  حيث يُسند أحد المدلولين إلى الآخر، وطريقة الربط يتعارف عليها أبناء اللغة الواحدة، وبعد هذا الربط بين الصورة الذهنية للورد ومفهوم الجمال ينتقل الإيعاز إلى المرحلة الثالثة حيث يتمّ ّفيها تحديد الكلمات المناسبة (الدوال) واختيارها من بين الكلمات الكثيرة المخزونة في هذا القسم من الدماغ، فتتحدد كلمة (الورد) دون غيرها ويتمّ اختيارها من بين كلمات كثيرة مخزونة من فصيلة المدلول نفسه مثل (الزهور، الأزهار، الورود، الأوراد، الياسمين....الخ) وتتحدد كلمة (جميلٌ) دون غيرها من الكلمات، ويتمّ اختيارها من بين كلمات كثيرة بهذا المفهوم مخزونة في هذا القسم مثل ( لطيفٌ، نَضِرٌ، عَطِرٌ،...) ولكن لم يقع الاختيار على هاتين الكلمتين (الوردُ جميلٌ) إلا بعد أن تحددت العلاقة بين مفهوميهما أو صورتيهما الذهنية وبعد أن ربط المدلولين معنى ذهني هو(الإسناد) أي إسناد الجمال للورد، وهكذا هي المراحل حتى تولد هذه الجملة الخبرية المثبتة المؤلفة من المسند إليه (الوردُ) والمسند (جميلٌ) مرتبطين بعلاقة (الإسناد).

أما إذا كانت الجملة ذات معنى عام يُحدد بالأداة كالجملة المنفية أو الاستفهامية فإن تحديد المعنى العام واختيار الأداة المناسبة هي أول مرحلة في تأسيسها ثم ترتبط الأداة بشبكة العلاقات الرابطة بين أركان الجملة.

إن الإشارة إلى الإسناد، هذا المعنى الذهني الرابط بين الكلمتين، تختلف من لغة إلى أخرى، والعربية اتخذت من العلامات الإعرابية وسيلة للإشارة إلى المعاني الذهنية الرابطة بين أجزاء الفكرة، وهذه تدخل في نطاق القواعد الخاصة بكل لغة، فبينما اتخذت العربية من الرفع  (الضمة أو ما يقابلها) إشارة للربط الإسنادي، اتخذت الانكليزية أحد أفعال الكينونة إشارة للربط وحمّلته دلالة زمنية معينة هي الزمن الحاضر أو الماضي كما في (is,are,was,were). أما العربية فكان تجرد الجملة مما يدل على غير الزمن الحاضر أي عدم وجود ( كان أو سيكون ) دليلا على الزمن الحاضر فيها، فلا يمكن أن يكون الزمن غير الحاضر في جملة: (الطقُس معتدلٌ) مقارنةً بجملة (كان الطقسُ معتدلًا) التي تدل على الزمن الماضي أو (سيكون الطقسُ معتدلا) التي تدلّ على المستقبل.

إن المعاني الذهنية الرئيسة الرابطة في كل أنواع الجمل وفي جميع اللغات لا تزيد على أربعة معان ذهنية رئيسة رابطة تشكّل (قواعد النحو الكلي) وهي :

1-    الإسناد : يربط المسند إليه بالمسند وهو رأس الهرم والمعاني الثلاثة الرئيسة المرتبطة بالإسناد هي:

2-    التخصيص : يربط المفعولات كافة بالإسناد وكذلك يربط الحال والتمييز والمستثنى والمخصوص ، وكلٌ له جهة في التخصيص.

3-    الإضافة: تربط ما بين المضاف والمضاف إليه. وهي نوعان: إضافة مباشرة بدون أداة، وإضافة بوساطة الأدوات أي بوساطة أدوات الإضافة المسماة بحروف الجر .

4-    التوضيح: يربط الصفة بالموصوف ، المؤكِّد بالمؤكَّد وغيرها مما سميت بالتوابع في النحو العربي .

ولنلاحظ المعاني الذهنية أي المعاني النحوية التي ربطت أجزاء هذه الجملة:

( يتأملُ الإنسانُ العاقلُ خلقَ الكونِ) .

الإسناد: الذي حدد العلاقة بين ( يتأملُ) و (الإنسانُ العاقلُ) وربطهما ببعضهما

التوضيح: الذي حدد العلاقة بين (الإنسانُ) و( العاقلُ ) وربطهما ببعضهما .

التخصيص: الذي خصص وحدد العلاقة بين (يتأملُ) و(خلقَ الكونِ) وربطهما ببعضهما.

الإضافة: التي حددت العلاقة بين (خلقَ) و(الكونِ) وربطتهما ببعضهما .

ولولا هذا النظام في ربط الأجزاء لتبعثرت الكلمات، ولَما دلّت على معنى مفهوم. فهل تفهمُ شيئًا لو سمعتَ قائلًا يقول :

العاقل الكون الإنسان خلق يتأمل!؟

                                                                                                                                              

 

أما الجُمل التي يتحدد معناها العام بالأدوات ، مثل الجمل الاستفهامية والجمل المنفية والجمل الشرطية ، فتحديد المعنى العام الذي يُهيمن على جو الفكرة بأداة معينة هو المرحلة الأولى في تأسيسها ، وهذا ما يميزها عن الجمل التي يتحدد معناها العام بدون أداة ، فيتمّ  تحديد المعنى العام بالأدوات كأدوات الاستفهام وأدوات النفي، وترتبط الأداة بأحد أجزاء الجملة وهو – أي الجزء الذي ارتبطت به الأداة – واقع ضمن شبكة العلاقات ذات التنظيم الهرمي.  

ويمكن للرسم التوضيحي الآتي أنْ يُقدّمَ تصوّرًا تقريبيًا للمراحل الثلاث التي تمرّ بها الفكرة من أجل أن تولد فتكون جملة منطوقة أو مكتوبة، وما يجري في الدماغ من عمليات ذهنية، والتنظيم الهرمي لربط المدلولات، ثم اختيار الكلمات من أجل انتاج جُملٍ ذات معنى مفهوم.

 

 

 

 

 

 

إن هذا التوضيح لكيفية تأسيس الجملة في دماغ الإنسان والمراحل التي تمر بها الفكرة إلى أن تولد في جملة لا يعني أن هناك زمنًا ملاحظًا يفصل بين الفكرة والجملة المعبرة عنها ، فما ان تنشأ الفكرة الاستفهامية حتى تعبّر عنها الأداة المناسبة، وما أن تتحدد العلاقات بين الأجزاء حتى يتم تحديد الكلمات المناسبة واختيارها، فتولد الجملة بكلمات متعلقة بعضها ببعض، وهكذا فإنّ كل معنى ذهني رابط يربط بين المدلولات يقترن بالكلمات المناسبة، والتعبير عن الفكرة يتم بعد انبثاقها بوقت غير ملحوظ، أي أن الزمن المستغرق في تحويل الفكرة إلى جملة لا يكاد يُلاحظ .

إن النظام الذي وصفته آنفا، والمراحل التي تمر بها الفكرة في دماغ الإنسان من أجل إنتاجها لتكون جملة منطوقة أو مكتوبة، هو مرحلة الصفر في اللغة، وهو النظام الذي تعمل بموجبه جميع اللغات لإنتاج الجمُل، وقواعده هي قواعد النحو الكلي

(The Universal Grammar).

وهذا التوصيف لنظام آليّة عمل الدماغ  في إنتاج الجُمل يبقى صحيحًا ما لم تبرهن المعطيات اللاحقة عدم صحته.

 

( ٢)

نظرية الصفر للنحو الكلّي/ Universal Grammar

 

في القسم الأول شرحتُ آليّة عمل الدماغ لإنتاج الجُمل من حيث المراحل التي تمرّ بها الفكرة إلى أن تصبح جملة ، بدءا من المرحلة الأولى: وهي تحديد المعنى العام للفكرة ،  ثم المرحلة الثانية:  الربط بين المفاهيم التي تشتمل عليها الفكرة ، ثم المرحلة الثالثة: وهي اختيار الكلمات أي الدوال المناسبة لمدلولاتها المرتبطة مع بعضها.

وذكرت أن الروابط في جميع اللغات لا تزيد على أربعة روابط هي:

الإسناد – التخصيص – الإضافة – التوضيح

وكلّها عمليات عقلية تعمل بنظام هرمي وتربط أجزاء الجملة ببعضها كي لا تتبعثر الكلمات فتفقد اللغة هدفها في وصول الرسالة مفهومة إلى المتلقي.

إن اشتراك اللغات في العمليات العقلية الرابطة بين الكلمات هو الحبل المشترك الذي مكّن المترجم من الترجمة، ولولا هذا الحبل المشترك لما استطاع المترجم الانتقال من لغة إلى اخرى.

وفي الرسوم الآتية توضيح للروابط المشتركة بين اللغات جميعا، وفيه تبدو العمليات العقلية الرابطة وقد اتخذت شكل دوائر ملونة، كل عملية عقلية ذات معنى ذهني بلون معين، وإيعازات الربط تبدو بشكل أسهم تربط بين العمليات العقلية أي المعاني الذهنية ( النحوية )  التي تشتمل عليها الجملة:

 

      Zaid is smart

Zaid reads

 

العلاقة الرابطة بين هذه الكلمات سواء في العربية أم في الإنكليزية هي : الإسناد

 

 

Zaid visited the museum

 Zaid traveled yesterday

 

العلاقة الرابطة بين هذه الكلمات سواء في العربية أم في الانكليزية هي:

 الإسناد و التخصيص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

       Zaid's house is clean

Zaid went to the museum

العلاقة الرابطة بين  هذه الكلمات سواء في العربية أم في الإنكليزية هي :

الإسناد و الإضافة

 

 

 

 

 

 

 The smart student succeeded

Your brother Zaid succeeded

العلاقة الرابطة بين هذه الكلمات سواء في العربية أم في الإنكليزية هي:

الإسناد و التوضيح

 

 

 

 

 

 

اختبار النظام أي قواعد النحو الكلي على اللغة العربية واللغة الإنكليزية واللغة السويدية:

 

 

 

أما إذا كانت الجملة منفية أو استفهامية أو شرطية  أو غير ذلك  من المعاني العامة التي تهيمن على الجملة ، فتلك المعاني مشتركة في جميع اللغات وتحددها المرحلة الأولى من مراحل انتاج الجملة  ثم تعود الروابط نفسها ( الإسناد ، التخصيص ، الإضافة ، التوضيح ) لتربط بين أجزاء الجملة مهما كان نوعها وفي جميع اللغات وهي قواعد النحو الكلي  Universal Grammar.

 

الفرق بين نظرية الصفر والنظرية التوليدية التحويلية

فيما يأتي أوضح الفرق بين نظرية الصفر والنظرية التوليدية التحويلية لتشومسكي ما دامت كلتاهما تتبنى المنهج العقلي في التوصل إلى نظام اللغة في الدماغ البشري وتحديد قواعد النحو الكلّي:

1-     لم يتوصل تشومسكي في نظريته إلى معرفة آليّة عمل الدماغ ونظامه في إنتاج الجمل بينما وصفت نظرية الصفر نظام انتاج الجمل وحددت آليّة عمل الدماغ بثلاث مراحل ينتقل العمل فيها من الكل (العموم)إلى الجزء (الخصوص) وبما يتناسب مع إدراك الإنسان للأشياء ، والمراحل الثلاث هي: (مرحلة تحديد المعنى العام للفكرة) ، (مرحلة تحديد معاني النحو الرابطة بين  مدلولات أجزاء الفكرة ) ، ( مرحلة تحديد الدوال/ الكلمات المناسبة لمدلولاتها).

2-    لم يتوصل تشومسكي إلى قواعد النحو الكلّي أي القواعد المشتركة بين اللغات  Universal Grammar وهي معاني النحو الكبرى الرابطة بين أجزاء الجملة  التي حددتها نظرية الصفر ب( الإسناد ، التخصيص ، الإضافة ، التوضيح ).

3-    طوّر تشومسكي نظريته من التوليدية إلى التوليدية التحويلية وفيها يتحدث عن ( الجملة النواة ) وكأن الجملة – في نظر تشومسكي - تولد في الدماغ بأصغر شكل ثم تتحول في الدماغ وبطريقة ما إلى شكل أخر بالتقديم أو الزيادة أو الحذف أو بتحويل الجملة من خبرية مثبتة إلى استفهامية أو منفية ثم تخرج في البنية السطحية بشكلها النهائي بعد التحويل الذي جرى عليها في الدماغ ، وهذا ما ترفضه نظرية الصفر رفضًا قاطعًا وتؤكد بطلانه لأن الجملة حسب نظرية الصفر تولد كما هي دونما تحويل من شكل إلى آخر ومعاني النحو الأربعة الرابطة هي النواة في تأسيس الجمل كافة بما فيها تلك التي سماها (الجملة النواة) فإذا كان هناك تقديم للمفعول به في الجملة فإن الإيعاز سيسقط على المفعول به قبل الفاعل ولأن الجملة تولد استفهامية أو منفية منذ البدء وذلك عندما يتحدد المعنى العام للفكرة في مرحلتها الأولى فهي لا تولد خبرية مثبتة ثم تتحول الى استفهامية او منفية.

إن السبب في وجود هذه الفروق بين نظرية الصفر والنظرية التوليدية التحويلية هو ان تشومسكي تحدث عن البنية العميقة وهو خارج البنية العميقة في حين أن البياتي دخلت في الدماغ تحمل معها كاميرا حسية، وكما هو معروف إن وصف الحدث من الداخل ليس كمثل الحديث عنه من الخارج.

 

وبذلك تكون (نظرية الصفر) قد توصلت للكشف عن النظام الذي تعمل بموجبه جميع اللغات في الدماغ البشري، وحددت أربع قواعد مشتركة بين اللغات جميعا هي قواعد النحو الكلّي (Universal Grammar) مقرّها في دماغ الإنسان، وبيّنت وجه الاختلاف عن النظرية التوليدية التحويلية، وأخيرًا تميزت بكونها نظرية صالحة للتطبيق في اللغة العربية عمومًا وفي القرآن الكريم على وجه خاص.

 


٣))

نظرية الصفر / النتائج والتطبيقات في اللغة العربية

 

نتائج تطبيق نظرية الصفر في اللغة العربية سيكون ضمن المحاور الآتية:

المحور الأول:

العلامات الإعرابية في اللغة العربية دليل على العقل العربي المنظم

العلامات الإعرابية بحسب نظرية الصفر قرائن دلالية فائقة الدقة وتدل على أن العقل الذي أنتج اللغة العربية بعلاماتها المعرفة عقل دقيق ومنظم، وتجد العلامات الإعرابية في  الأسماء المعربة وفي الفعل المسمى بالفعل المضارع، وهو الفعل الوحيد المعرب ما عدا حالة استثنائية لا تشكل ظاهرة في الفعل المضارع، وعند ملاحظتنا للعلامات الإعرابية في الأسماء نجدها تدلّ على المعنى النحوي الرئيس الذي يؤديه الاسم في الجملة، أي تدل على وظيفته في الجُملة، وفي العربية توزيعٌ دقيقٌ لهذه العلامات وكما يأتي إيضاحه:

العلامات الإعرابية في الأسماء:

1-   لتمييز المعاني النحوية الرئيسة الرابطة في الجملة

ميّز العقل العربي العمليات العقلية الرابطة أي المعاني النحوية المختلفة بعلامات مختلفة لتمييزها من بعضها، والحالات الإعرابية في الأسماء ثلاث هي: الرفع – النصب – الخفض.

علامات الرفع وعلامات النصب وعلامات الخفض معروفة من حيث اختلافها بين المفرد والمثنى والجمع السالم والأسماء الخمسة ...الخ، ولكن ما نريد ملاحظته كيف وزّع العقل العربي الحالات الإعرابية بعلاماتها المعروفة على الأسماء المعربة:

·       ( الرفع ) ميّز به المعنى المركزي أي (الإسناد) الذي تُبنى عليه الجملة ما لم يطرأ عليه طارئ من المعاني العامة ، نحوَ: المخلصُ محترمٌ / المخلصون محترمون....

·       (النصب) ميّز به المعنى الذهني المتعلق بالإسناد وهو (التخصيص) أو التحديد وله اتجاهات متعددة تشمل المفاعيل كافة والحال والتمييز والمستثنى والمخصوص ، وكذلك هو (أي النصب) للأسماء التي تقتضي التخفيف في المواضع الثقيلة، وبذلك يكون النصب لكل ما خرج من دائرة الإسناد ولم يدخل في حيّز الإضافة. نحو: يعالجُ الطبيبُ المريضَ / يقدرُ المديرُ المجتهدينَ

·       (الخفض) ميّز به معنى (الإضافة) سواء أكانت الإضافة بدون أداة أم بوساطة أدوات الإضافة المسماة في المنهج التقليدي بحروف الجر. نحوَ:

    ألقى المديرُ كلمةً في قاعةِ المدرسةِ .

أما رابط (التوضيح ) فالاسم الموضِح يماثل الموضَح أي يتبعه ويماثله في علامته رفعًا ونصبًا وخفضًا. نحو:

ألقى المديرُ الجديدُ كلمةً رائعةً في القاعةِ الكبيرةِ .

وهكذا نلاحظ التوزيع المنظم للعلامات الإعرابية على المعاني النحوية في أنّ كلّ معنى نحوي ذهني رابط قد تميّز بعلامة خاصة به.

2- اختلاف الدور الوظيفي والمعنوي للكلمة يتبعه اختلاف العلامة

نلاحظ أن المسند إليه عندما يكون رئيسًا في جملته وقد بنيت عليه الجملة الخبرية يأتي مرفوعًا، فإذا لم يكن رئيسًا في جملته بل متعلقا بالجزء الرئيس في الجملة، أو لم يكن  للإخبار يأتي منصوبًا .

فالفرق في الوظيفة وفي المعنى يتبعه فرق في العلامة.

لنلاحظ الفرق الوظيفي والمعنوي للمسند إليه في الجمل الآتية:

1-    الطقسُ معتدلٌ                 أتوقع أنّ الطقسَ معتدلٌ

2-    الطقسُ معتدلُ                 الفصلُ شتاءٌ لكنّ الطقسَ معتدلٌ

3-    الطقسُ معتدلٌ                 ليت الطقسَ معتدلٌ

4-    الطقسُ معتدلٌ                  لعل الطقسَ معتدلٌ

المسند إليه ( الطقسَ ) في جُمل الحقل الثاني لم يكن له نفس الدور الوظيفي أو المعنوي كما في جُمل الحقل الأول، فهو إما كان مرتبطًا ومتعلقًا بعبارة سابقة كما في المثالين الأول والثاني، أو لم يكن للإخبار كما في المثالين الثالث والرابع.

العلامات الإعرابية في الفعل:
 أما حالات الإعراب في الفعل ( المضارع ) بعلاماتها المعروفة، وأقصد حالة الرفع بالضم أو ثبوت النون في الأفعال الخمسة، وحالة النصب  بالفتح أو حذف النون، والجزم بالسكون أو حذف النون، فلتمييز الفروق المعنوية للفعل داخل الجملة وهذه الفروق هي :

1- تمييز الفروق في الوظيفة: نحو ( يسرُّني أن تنجحَ ) يسرُّ: مرفوع لأنه الفعل الرئيس الذي بُنيت عليه الجملة ، تنجحَ : منصوب لأنه فعل متعلق أو مرتبط بالفعل الرئيس على معنى الفاعلية، فالفرق في الوظيفة تبعه فرق في العلامة. وكذلك كل الأفعال المرتبطة بعبارة رئيسة تميزت عن الفعل الرئيس بحالة النصب . نحوَ:

أدرسُ كي أنجحَ / أساعدُ الأصدقاءَ فأنالَ محبتهم / أتمرنُ كثيرًا لأفوزَ في السباق...

لذلك فإن بعض الأدوات المسماة بأدوات نصب الفعل المضارع إنما هي أدوات ربط، تربط العبارة اللاحقة بالعبارة الرئيسة التي بُنيت عليها الجملة، ونصب الفعل المضارع لم يكن بسبب عمل هذه الأدوات وإنما هو للفرق الوظيفي بين الفعلين ولتمييزه بعلامة مختلفة عن علامة الفعل الرئيس في الجملة.

2-   تمييز الفروق في الاتجاه الزمني للفعل في الجمل المنفية : فالرفع لنفي الفعل في الزمن الحاضر، نحو: (لا يشاركُ زيدٌ في السباقِ). والنصب لنفي الفعل في المستقبل، نحو: (لن يشاركَ زيدٌ في السباق). والجزم لنفي الفعل في الماضي، نحو:(لم يشاركْ زيدٌ في السباق).  فالفرق في الاتجاه الزمني للفعل المنفي تبعه فرق في العلامة.

3-   الفروق في حدوث الحدث من حيث التحقق أو عدم التحقق يتبعه فرق في العلامة في كثير من الأفعال :

لاحظ الفرق بين حالة الرفع وحالة الجزم والسبب، وكيف ان العقل العربي ميّز كل حالة بعلامة خاصة :

(يلعبُ فريقنا ، سيلعبُ فريقنا ، سوف يلعبُ فريقنا) الفعل مرفوع لان حدوث الحدث متحقق او في إطار التحقق.

           في الشرط (إن يلعبْ فريقنا يفزْ) الفعل مجزوم (معدوم العلامة) لأن حدوث الحدث غير        متحقق وهو مُعلّق ، فالفريق لم يلعب وإنما ( إنْ يلعبْ) تلاحظ الحدوث غير حاصل ، فلا هو متحقق ولا في إطار التحقق، إذ إنّ في الشرط حدثين، حدوثُ أحدهما معلّقٌ على حدوث الآخر.

في النهي (لا تلعبْ مع فريقنا) الحدوث غير متحقق أيضا ، لان الحدث (الفعل) منهي عن إحداثه، لذلك انعدمت العلامة.

في الأمر (ليلعبْ فريقنا) حدوث الحدث غير متحقق لأنه أمر بإحداث الحدث.

4-    تمييز الفروق في الإسناد عند الاتصال بنون التوكيد : نحو(لا تجرحَنّ المشاعرَ ) للمفرد (لا تجرحُنّ المشاعرَ ) لجماعة الذكور ( لا تجرحِنّ المشاعر) للمؤنث و( لا تجرحانِّ المشاعرَ) للمثنى، فإذا أسند الفعل لجماعة الإناث فاقترن بنون النسوة جاء ساكنًا مراعاة للفروق ولأمن اللبس ( لا تجرحْنَ المشاعرَ) .

فالفرق في مَن أسنِدَ إليه الفعل تبعه فرقٌ في العلامة في آخر الفعل.

وبهذا العرض ينتهي دور نظرية العامل إذ يتضحُ أن الحالات الإعرابية بعلاماتها المختلفة جاءت إشارات لتمييز المعاني المختلفة أو مراعاة ً للفروق لأجل أمن اللبس ، سواء أكانت علامات مختلفة في الأسماء المعربة ، أم كانت علامات مختلفة في الفعل - صيغة (يفعلُ) - المسمى بالفعل المضارع ، وهي بهذه الدقة في التوزيع المنظّم تدل على أن العقل الذي أنتج اللغة العربية يتميز بالدقة والتنظيم.

 

المحور الثاني :

  تطبيق نظرية الصفر يكشف إعجاز القرآن الكريم نحويًا:

ذلك لأن (نظرية الصفر) هي امتداد ونتيجة لمفهوم النظم وتوخي معاني النحو عند عبد القاهر الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز، وإن تطبيق نظرية الصفر في لغة القرآن الكريم تفتح امام الباحثين أبواب إعجازه نحويًا، حيث يُصار إلى دراسة النص كما هو في التنزيل دونما إجراء تغييرات أو تقدير كلمات غير موجودة إرضاءً لقاعدة نحوية، كما في قوله تعالى: (إذا السماءُ انفطرت) حيث قدّروا ( بحسب نظرية العامل)  فعلًا محذوفًا يشبه الفعل المذكور( انفطرت) على أن يسبق الفاعل (السماء) أي التقدير: إذا انفطرت السماءُ انفطرت، والسبب أن القاعدة -بحسب نظرية العامل- لا تجيز تقديم الفاعل على فعله لأنه معمول والمعمول لا يتقدم على عامله، وبما أن الشرط يقتضي سياقا فعليا أي جملة فعلية لأنه تعليق حدوث حدث بحدوث حدث آخر، والحدوث من سمات الأفعال لذلك اضطروا إلى إدخال تغييرات على النص وإضافة كلمة غير موجود من أجل سريان قواعدهم المستندة إلى نظرية العامل، وكذلك أية نظرية لا تجيز تقديم الفاعل على فعله تخفق في كشف إعجازه في كثير من المواضع، لذلك اخفقوا في كشف إعجاز القرآن الكريم في هذا النص وأمثاله الذي تقدمت فيه كلمة (السماءُ) وهي فاعل للفعل (انفطرت) وإنما كان التركيب بهذا الشكل كي يجعل ذهن الملتقي يتعلق بالسماء وترتسم صورتها في ذهنه وتبقى عالقة في انتظار الفعل وذلك ما يجعل هول المنظر المتصوّر أكثر وقعا وتأثيرًا في المتلقي، وشتان ما بين قوله تعالى: (إذا السماءُ انفطرت) والنص المصطنع: إذا انفطرت السماء انفطرت.

كان هذا نموذجًا للفرق بين تطبيق نظرية الصفر وتطبيق نظريات أخرى عند محاولة الكشف عن الإعجاز القرآني نحويًا.

المحور الثالث :

 تسهيل تعليم قواعد أية لغة للناطقين بغيرها

عندما نقيم المنهج النحوي بالاستناد إلى النظام العام لتأليف الجمل في اللغات كافة،  يتيسر تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. وكذلك تعليم اية لغة للناطقين بغيرها وذلك لوجود روابط مشتركة بين اللغات كافة مما يسهل عملية التعلم لمن يتقن لغته ويفهم نظامها ويرغب في تعلم لغة أخرى تشترك مع لغته بنظامها العام في تأليف الجمل. لذلك يصعب تعليم العربية للناطقين بغيرها وفق المنهج التقليدي لأنه جعل العلامة الإعرابية محورًا للتقعيد والعلامة الإعرابية ليست أمرًا مشتركًا بين اللغات.

المحور الرابع :

 حوسبة اللغة العربية :

 ربما ينفع اكتشاف النظام الذي تعمل بموجبه اللغات كافة  في مجال حوسبة اللغات، أو ربما تكون اللغة العربية عصيّة على الذكاء الاصطناعي، ومعرفة هذا الأمر يتطلب متخصصين في حوسبة اللغة.

المحور الخامس :

 إصلاح جذري لمناهج تعليم قواعد اللغة العربية على وفق منهج جديد يستند إلى نظرية الصفر:

وفيما يأتي صفات المنهج المقترَح الذي يستند إلى نظرية الصفر بالمقارنة مع المنهج التقليدي المستند إلى نظرية العامل:

 1- يُلغي المنهج المقترح فكرة العمل والعامل في النحو العربي وما يترتب عليها كمنع تقديم الفاعل على فعله، وبهذا يختلف تحديد نوع الجملة في هذا المنهج عن المنهج  التقليدي ، فكل من جملة ( نجحَ زيدٌ ) و( زيدٌ نجحَ ) فعلية، و ( زيد) فاعل في كلتا الجملتين سواء أكان متقدما على فعله أم متأخرا عنه، وما التقديم إلّا للاهتمام والتركيز على الجزء المتقدم أو لأسباب أخرى.

2-عندما يكون الفاعل مذكورًا ومصرحًا به في الجملة أو في السياق فكل ما يرتبط بالفعل من أحرف إنما هي لواحق للمطابقة، أي مطابقة الفعل للفاعل المتقدم، المطابقة في التأنيث والتذكير وفي العدد، ولا فرق بين تاء التأنيث الساكنة في كونها لا محل لها من الإعراب عن سواها من اللواحق الدالة على المثني المذكر أو جماعة الذكور أو جماعة الإناث، فالتاء المرتبطة بالفعل في (الطالبة نجحتْ) والألف في (الطالبان نجحا) والواو في (الطلاب نجحوا) والنون في (الطالبات نجحن )، كلها لواحق لمطابقة الفعل للفاعل المتقدم.

                                                      

 -3 يُلغي المنهج المقترح المستند إلى نظرية الصفر فكرة النسخ في النحو العربي كليًا، والأبواب التي جمع فيها النحو التقليدي عددا من الأفعال سُميت بالأفعال الناسخة مثل باب (كان وأخواتها) وباب (ظن وأخواتها) و( أفعال المقاربة والشروع ) والأحرف الناسخة التي سُميت بالأحرف المشبهة بالفعل أي ( إنّ  وأخواتها/ وهي لا شبَه لها بالفعل من حيث الدلالة إطلاقا )  كل هذه الموضوعات تُدرس بطريقة مُيسّرة مقنعة مستندة إلى المعنى، إذ لا يمكن أن يكون أصلُ أية جُملةٍ جُملةً أخرى؛ لأن أصلَ كل جملة هو المعاني الذهنية التي انتجتها وهي التي تربط  بين كلماتها. فمثلا لا يمكن أن يكون أصل جملة (ظننتُ زيدًا وفيّا)  هو ( زيدٌ وفيٌّ ) ثم دخلت (ظنّ ) فنسخت المبتدأ والخبر وجعلتهما مفعولين لها. ومثل ذلك جميع النواسخ.  

4-    بما أن أصلَ أية جملةٍ يستندُ إلى المعاني الذهنية المؤسسة لها والكامنة في الذهن وليس أصلُها جُملةً أخرى، يعالج المنهج المستند إلى نظرية الصفر موضوع (المبني للمجهول)  بطريقة مختلفة عن الطريقة التقليدية، ويقدّم أفعاله على أنها صيغٌ خاصة : (صيغة فُعل) و(صيغة يُفعل) وهي أفعال تُسند لغير الفاعل الحقيقي، وإذا يُراد إرجاع هذا النوع من الجُمل لأصلها فأصلها في دماغ منتجها متمثلَا بإسناد الفعل وهو بصيغة معينة  لغير الفاعل الحقيقي، ولا يصح أن نربطها بجملة أخرى نخترع لها فاعلا ونعدّها الأصل ، إذ لا يصح في قوله تعالى ( ونُفخ في الصور فصعِقَ من في السماوات ومن في الأرض ) أن نخترع للنص فاعلا وندعي أن أصل الجملة ( ونَفَخَ ؟؟؟ في الصور ....) وإنما هي صِيغ متنوعة للأفعال منها ما يُسند إلى الفاعل الحقيقي، ومنها ما يسند لغير الفاعل الحقيقي.

            وهكذا ينظر المنهج المبني على نظرية الصفر إلى الجملة ذاتها ومن خلال السياق الذي تكون فيه ولا يرجعها قسرًا إلى جملة أخرى فيها فاعل نخترعه بالتخمين وندعي أنها الجملة الأصل.

5-   

                                                                                                         َ                                  

                             

لا يلجأ المنهج - المستند إلى نظرية الصفر- للتقدير، وأقصد به التقدير المُخل بالمعنى، لأن القواعد تُستخلص من معنى الجملة ومن السياق كما هو موجود أمامك في النص، فلا يُفرض على النص ما ليس فيه لأجل قاعدة مُسبقة، فليس هناك تقدير لفعل محذوف يسبق الفاعل في مثل قوله تعالى: (إذا السماءُ انفطرت). وليس هناك تقدير لاسم (لات) محذوف في قوله تعالى: (فنادوا ولات حين مناص) إذ لا يصح اختراع كلمات غير موجودة من أجل إرضاء القاعدة المفروضة على الجملة. أما منهج نظرية الصفر فينظر إلى الجملة ككل من أجل أن تنبثق القاعدة من الجملة ذاتها،  ويُنظر إلى الأجزاء على أنها وحدات تتآلف مع بعضها من أجل تحقيق المعنى المطلوب.

6-    يكشف منهج نظرية الصفر عن دلالات كثيرة لأبنية الأفعال غير دلالتي (الحدث والزمن) التي اقتصر عليها المنهج التقليدي، وأهم دلالة في الأفعال لم يُسلّط عليها الضوء هي دلالة (الحدوث) والواقع إن الفعل ليس ما دل حدث مقترن بزمن فقط، وإنما هو ما دل على (حدث) و(حدوث مقترن بزمن)، أي إن (الحدوث) هو الذي يقترن بالزمن وليس الحدث، ودلالة الحدوث هذه هي الدلالة المشتركة بين أبنية الأفعال جميعًا، وهي التي تتجه اتجاهات مختلفة تبعًا لمعنى الجملة، فاقتران (كاد) أو إحدى أخواتها بالفعل يُقرّب حدوث الفعل، نحو: (كادَ الطفلُ يغرقُ)،وكقوله تعالى: ( يكاد زيتها يُضيء ولو لم تمسسه نار)، واقتران (كان) أو إحدى أخواتها بالفعل ـ عدا ليس ـ  يوجه زمن حدوث الفعل إلى جهة زمنية معينة أو إلى توقيت في ذلك الزمن، كقوله تعالى: (فاصبح يقلّبُ كفيه على ما انفق فيها) حيث دل الفعل أصبح على أن زمن الجملة هو الماضي، كما دل على تبدل الحال في الصباح عما كان عليه قبل ذلك، وما دام زمن الجملة قد اتضح من خلال الفعل (أصبح) تفرغ الفعل ( يقلّبُ) لدلالة أخرى غير الزمن وهي الدلالة على تصوير حدوث تقلّب الكفين على بعضهما وكأنك تراهما في تصوير متحرك (فيديو)، وتلك دلالة مهمة  من دلالات صيغة ( يفعلُ) وهي تصوير حدوث الحدث بتفاصيله شيئًا فشيئا، وثمة دلالات أخرى خاصة بكل صيغة من صيغ الأفعال داخل الجملة مما يعزز قولنا بثراء العربية وقدرتها على التعبير عن أدق المعاني.

7-    استنادًا إلى الملاحظة السابقة وخلافًا للمنهج التقليدي، فإن في اللغة العربية أفعالًا مساعدة كما في أكثر اللغات، وهي نوعان : منها ما يساعد الفعل الرئيس في توجيه زمنه إلى وجهة معينة، ومنها ما يساعد الفعل الرئيس في توجيه الحدوث نحوَ الشروع أو نحوَ المقاربة. لنلاحظ المثال الآتي :

( كانت الغيومُ تملأُ السماءَ، ثم بدأ المطرُ ينهمرُ بغزارةٍ، وكادت الشوارعُ تغرقُ من كثرةِ المطر).

 في هذا المثال دليل على أن حدوث الأفعال كلها كان في الزمن الماضي، فالفعل المساعد (كانت) قد وجه زمن الفعل (تملأ)  باتجاه الماضي ، والفعل المساعد (بدأ) قد وجه الفعل (ينهمر) باتجاه الشروع، والفعل المساعد (كادت) قد وجه الفعل (تغرقُ) باتجاه المقاربة.

8-    يستطيع المنهج  أن يحلّ مشكلة الزمن في الفعل؛ لأن الفعل - بحسب نظرية الصفر- بناء يتقبل الزمن بمختلف اتجاهاته ومعنى الجملة هو الذي يحدد زمنه، لذلك فإن تحديد زمن الفعل لا يتم إلا من خلال الجُملة، ومعنى الجُملة هو الذي يحدد اتجاه زمن الفعل فيها، فأين الزمن الماضي في قوله تعالى: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه)؟  وأين الزمن الحاضر في الفعل (يصرّون) في قوله تعالى: ( وكانوا يصرّون على الحنث العظيم)؟

إنّ المنهج التقليدي درس الفعل منفصلًا عن جملته ولم يراع السياق فلم يتوصل الى الدلالات الزمنية المتعددة للأفعال في العربية. وعندما نستنبط زمن الفعل من خلال الجمل والسياق نجد أزمنة كثيرة ومتنوعة في لغتنا، ونجد أن المنهج التقليدي كان قاصرًا في كشف الاتجاهات الزمنية المتنوعة في اللغة العربية

9-    لا تخلو أية جملة مهما كان نوعها من الدلالة على الزمن بما في ذلك الجملة الاسمية التي تفتقر للحدث والحدوث وليس للزمن . لاحظ الزمن في قولك مثلًا:

كان الطقسُ معتدلًا           الماضي

سيكون الطقسُ معتدلًا        المستقبل

الطقسُ معتدلٌ            تقصد الآن أي الحاضر

إن وجود (كان) أو (سيكون) في الجملة لا يرشحها للفعلية ما دام الخبرُ - أي المسند - اسمًا ، وإنما يمنحها زمنًا محددًا. وهذا ينطبق على بعض اللغات الأخرى كاللغة الإنكليزية التي ظن دارسوها أنّ اللغة الإنكليزية ليس فيها جمل اسمية معتقدين أن ألفاظ (الكينونة/ is , was)  الدالة على الزمن تُرشّح الجُمل للفعلية، والواقع انّ الزمن وحده لا يُرشّح الجملة للفعلية إذا لم يرتبط بحدث وحدوث.  

لاحظ الفرق بين هاتين الجملتين:

Ali is a teacher  =           علي معلّم 

 جملة اسمية في كلتا اللغتين لأن المسند فيهما اسم

Ali teaches the students = علي يُعلّم الطلاب

جملة فعلية في كلتا اللغتين لأن المسند فيهما فعل. وهذا دليل على تشابه اللغات في القواعد الرئيسة لبناء الجُمل.

10-  بناء (افعلْ) أي فعل الأمر مبني على العلامة الموجودة على آخر البناء، أي على الضم في (اذهبوا) وعلى الفتح في (اذهبَا) وعلى الكسر في (اذهبِي) ولا يصح أن يقاس على الفعل المضارع المتصل بمثل هذه الضمائر فيُقال إنه مبني على حذف النون، وأين هي تلك (النون) المزعومة في أفعال الأمر!!

11- 

                                                                                                                                            

 

قد لا يلتزم المنهج المستند إلى نظرية الصفر ببعض المصطلحات التي لا تدل على المعنى النحوي للكلمة في الجملة، كمصطلح (المبتدأ) الذي يشير إلى موقع الكلمة، وبما أن الكلمة في الجملة العربية لا تلتزم موقعاً بعينه ، فهي تتقدم  أو تتأخر على حسب متطلبات المعنى لذلك  يقترح المنهج مصطلح ( المسند إليه ) المعروف أو (المخبَر عنه) بديلاً لمصطلح (المبتدأ) لكي يتناسب مع مصطلح (الخبر/ المسند) في الجملة الاسمية المؤلفة من (خبر ومُخبَر عنه أي مسند ومسند إليه)، وكذلك (حروف الجر) تصبح (أدوات الإضافة) نظراً لوظيفتها في الجملة، ويلغي المنهج المقترح مصطلح (المضارع) الذي لا علاقة له بأية دلالة من دلالات صيغة (يفعلُ).

12- يركز المنهج المقترح على قواعد الربط بين الكلمات وبين العبارات من أجل بناء الجُمل ، ثم الربط بين الجمل من أجل تأليف النصوص. كما في الأمثلة الآتية:

(فرددناه إلى إمه كي تقرّ عينها ) جملة واحد مؤلفة من عبارتين مرتبطتين بأداة الربط (كي).

( وقيل يا أرض ابلعي ماءك، ويا سماء أقلعي ، وغيض الماء ، وقضي الأمر، واستوت على الجودي ، وقيل بُعدًا للقوم الظالمين)

سياق مؤلف من عدة جمل مرتبطة مع بعضها برابط ( الواو).

 

إن تحديث مناهج تدريس قواعد العربية بما يتناسب وفكر الطالب في العصر الحديث أصبح ضرورة لابد منها، وليس هناك بديل أفضل من إقامة المناهج على المعاني ما دامت اللغةُ وسيلةَ التعبير عن المعاني والأفكار، وإذا كان لابد من نظرية نقيم عليها مناهج قواعد العربية وتستند إلى المعنى في جذرها وفي تفرعاتها، ففي ( نظرية الصفر) ما يحقق الهدف، وهي البديل العلمي ل(نظرية العامل) القديمة المستندة إليها مناهج تعليم قواعد العربية حاليًا، والله تعالى من وراء القصد.

 

عن الكاتب

الناشر

التعليقات


اتصل بنا

من أجل البقاء على تواصل دائم معنا ، قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك موقعنا ليصلك كل جديدً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

بيت اللسانيات