هذا البحث من مطلب ضروري قام في نفس صاحبه : أن درس العربية من الجانب العربي وحده يظل منقوصاً. وأنه لا بد لنا . في هذه المرحلة من استئناف النظر أن تتبصر فيما بلغه الدرس اللغوي الحديث من آفاق . وتشكل اتجاه البحث في نفس صاحيه تشكله الأول على هيئة إحساس قوي بأن كدا الأنظار التي وجدها في كتب المحدثين من الغربيين، ولابسها في محاضراتهم ومقابسالهم يوافي عند عناصر كثيرة منه ما قرأ عند النحويين العرب مصرحین به حيناً وصادرين عنه - فيما يقدر الباحث - كثيراً الأحيان.وانطلق البحث. خلال جُل مراحله . يتوكاً على مثل الحدس بأن بين المناهج النظر اللغوي على اختلاف الزمان والمكان والإنسان، قدراً مشتركاً يقع بالضرورة. لعله يوازي ، على نحو أو آخر. ذلك القدر المشترك الذي يلتمس في هذه الأزمنة. بين مختلف اللغات الإنسانية في العالم. وكان مضمون ذلك الحدس بديلاً راجعاً من القول بتأثير تلك المناهج بعضها في بعض أو أنها أصحابها بعضهم عن بعض، فإن هذا القول يظل عند الباحث تقريباً لا يرقى إلى منزلة اليقين القاطع الملاحظات أعرض.
ومبدأ القول بالمشترك (۱) بين لغات البشر أنّ الناس جميعاً يتفقون في أنهم ، على اختلاف لغاتهم ، يمكن لهم خلال بضع سنوات من التعرض لها في محيط الاكتساب ، أن يميزوا نظاماً مجرداً يصدرون عنه في استعمال اللغة استعمالاً خلاقاً متجدداً لا ينحصر؛ إذ يستطيع كل واحد من أبناء اللغة ، كل لغة ، أن يتلقى في الموقف المناسب، على وجه الفهم، ما لا ينحصر من جمل جديدة لم يكن جمعها من قبل. كما يستطيع أن يصوغ، في الموقف المناسب، ما لا ينحصر من جمل جديدة لم يكن قالها أو سمعها أو وقف عليها من قبل. ويستطيع أن يفرز، بتلقائية مكتسبة مواتية ، الجمل الجائزة في مقاييسه ومقاييس بيئته اللغوية من الجُمَل غير الجائزة أو الجمل المتحفظ عليها (٢) .
ولكن البحث عن المشترك يتخذ الآن شكلاً آخر تفصيليا يتمثل في فرز كل ما يمكن فرزه من لغات العالم - على اختلافها وبقطع النظر عن تصنيف العائلات اللغوية التقليدي - وتحديد الخصائص المشتركة التي تجسد عناصر الاتفاق وأصول التوحد. وقد وُضِعت في ذلك تأليف (۳) ، واستنبطت فيها بعض أصول ذلك التوحد (٤) . وهذا المنحى أنشط ما يكون، هذه الأيام، في أمريكا الشمالية . ولكن القوم هناك، على عادتهم في الابتداء من حيث هم أو من أقرب الأصول إليهم في التقليد الغربي ، ثم العَوْدِ إلى تلمس الجذور والمرتكزات من التقليد الماضي البعيد، يجدون لهذا الاتجاه أصولاً عند ديكارت والنحويين العقلانيين..
تعليق