"المصطلح اللّساني بين التّعريب والتّرجمة".
أ.أم الخير بحير
نظّم فريق البحث
اللّساني والتّخطيط اللّغوي التّابع لأكاديميّة بيت اللّسانيّات الدّوليّة ـــ
تركياــ محاضرة علميّة افتراضيّة، عنوانها: "المصطلح اللّساني بين التّعريب
والتّرجمة". مساء السّبت 15 أفريل 2023م. في تمام السّاعة الثّانية عشرة
والنّصف بعد منتصف اللّيل بتوقيت مكّة المكرّمة، والسّاعة العاشرة والنّصف مساءً
بتوقيت الجزائر، والتّاسعة والنصف مساءً بتوقيت المغرب.
قدّم هذه المحاضرة
الدّكتور عمر لحسن ــــ أستاذ بجامعة باجي مختار عنّابة ــ الجزائرـــ وأدارت اللّقاء
العلمي الدّكتورة نسيمة قطّاف، والدكتورة أمينة إبري، وكتب تقريره الأستاذة أم الخير
بحير.
افتتحت الدّكتورة
نسيمة قطاف الجلسة بالتّحيّة والسّلام وتقديم الشّكر لمدير بيت اللّسانيّات الدّوليّة
ونائبته، والجمهور الكريم والأستاذ المحاضر، كما مهّدت للمحاضرة، ثمّ أحالت الكلمة
للدّكتورة إبري أمينة للتّعريف بالسّيرة العلميّة للأستاذ المحاضر الّذي شغل منصب
الدّكتور منذ2012 وتقلّب عدّة مناصب وشغل مسؤوليّات في الإدارة كما ساهم بعدّة
أعمال (ندوات، ملتقيات، مجلّات...)، ثمّ أحالت الكلمة للأستاذ لحسن لعرض محاضرته.
ـــ بدأ الأستاذ بحمد اللّه تعالى والصّلاة على سيّدنا
محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، وبعد التّحيّة والشّكر للمساهمين والمسؤولين على
إعداد هذه المحاضرة العلميّة باشر محاضرته مستهلّا إيّاها بمفهوم اللّغة من حيث
وظيفتها، وأهميّتها، وإشكالاتها المنهجيّة قبل ظهورها في الصّورة الحديثة على يد
سوسير من خلال محاضراته في اللّسانيّات العامّة الّتي تمّ نشرها من قِبل تلامذته،
وقد ترجم هذا المؤَلَّف إلى عدّة لغات كاليابانيّة، والألمانيّة، والرّوسيّة...،
ويعدّ هذا المؤلَّف بمثابة النّقلة النّوعيّة الّتي خلّصت اللّسانيّات من سيطرة
المنهجين التّاريخي والمقارن لتّتّسم بالمنهج العلمي. إضافة إلى تزويد اللّسانيّات
بمجموعة من المصطلحات متمثّلة في ثنائيّاته المشهورة، هذه الأخيرة جعلتها تتوجّه
نحو الدّراسات الوصفيّة محدّدا موضوعها في اللّغة من خلال التّمييز بينها وبين
اللّسان والكلام، كما ميّز بين البعد التّزامني الوصفي والبعد التّعاقبي التّاريخي
للّسانيّات وبين خصائص كلّ منهما ومنهجه، كما حدّد الوحدة اللّسانيّة الصّغرى
مميّزا مكوّناتها الأساسيّة (الدّال والمدلول) مبرزا خصائصها (الاعتباطيّة،
والخطّيّة)، كما ميّز بين العلاقات القائمة بين الوحدات اللّسانيّة داخل السّلسلة
الكلاميّة، فأطلق عليها (العلاقات التّوزيعيّة، والعلاقات الاستبداليّة)؛ وبهذا
استطاعت اللّسانيّات من خلال جهازها المفاهيمي ومعجمها الاصطلاحي أن تدخل تغييرات
جذريّة على التّاريخ اللّغوي القديم، وتمكّن الدّرس اللّساني من الخروج من
المعياريّة إلى المجال الوصفي بفضل جهود دي سوسير وإدخالها إلى عالم التّكنولوجيا
الحديثة...
يواصل
الأستاذ المحاضر مسترسلا حديثه عن اللّسانيّات بأنّها فرضت وجودها في كلّ ميادين المعرفة
الإنسانيّة لأنّها تبحث في أصوليّة آليّة الإنتاج العلمي الّتي تعزّز بها كلّ
العلوم، وهكذا تمكّنت من إعادة هيكلة ومنهجة العلوم الإنسانيّة الحديثة وجعلتها
سهلة التّناول، كما جعلت المثقّف يجدّد نفسه باستمرار؛ كون اللّسانيّات أصبحت
تدرّس بأحدث الوسائل الفيزيائيّة والإلكترونيّة والمعلوماتيّة، وأصبحت نتائجها
تستغلّ بمجالات تكنولوجيّة عدّة؛ مثل: البحث في هندسة اللّغة، والتّركيب الاصطلاحي
للكلام واستكشافه الآلي بتطبيق الأجهزة وخاصّة الحاسوب...
بالرّغم من
هذه التّطوّرات إلّا أنّ العرب لا يزالون يتساءلون حول جدوى اللّسانيّات في
التّعليم؛ ذلك أنّ حظّ العربيّة من اللّسانيّات يسير جدّا بسبب التّأخّر الشّديد
الّذي سجّله دخول هذا التّخصّص الإنساني إلى اللّغة العربيّة رغم الجهود المبذولة
في هذا الشّأن في بعض الأقطار العربيّة كالمغرب العربي ولبنان ومصر وبعض الأمصار
الأخرى الّتي تولّت جانب التّرجمة وحاولت تيسير هذا العلم للقارئ العربي بغية عقد
صلة به، والإلمام به من قبل اللّسانيّين العرب سعيا لتقويم العمل اللّغوي العربي
القديم رغم التّأخّر الفادح في مواكبة التّطوّر الذّي شهدته اللّسانيّات عبر
العالم بسبب الرّكود الفكري الشّامل الذّي شهده الوطن العربي خلال فترة طويلة؛ فقد
قدّم عبد الرحمن الحاج صالح تشاؤما كبيرا حول وضع اللّغة العربيّة بالمقارنة مع ما
وصل إليه البحث اللّساني العالمي خاصّة فيما يخصّ المصطلح لما عاناه الوطن العربي
من تأخّر في البحث اللّساني، وحاول وضع نظريّة لسانيّة حديثة في اللّسانيّات
والتّرجمة، فظهرت حركة التّرجمة في الوطن العربي بكمّ هائل من المصطلحات الّتي
شغلت بال الباحثين حين تراكمت وتزاحمت فيما بينها لتشكّل توليد مطّرد ممّا ساهم في
تعقّد المصطلح اللّساني، كما ساهم في عرقلة التّحصيل لاختلاف الاصطلاحات في
التّعليم؛ لأنّها تمّت بطريقة عشوائيّة فرديّة حدسيّة دون اللّجوء إلى تحديدها وفق
نظريّة متكاملة، وأرجع ذلك الأستاذ عبد الرحمن الحاج صالح إلى أسباب أهمّها:
اعتباطيّة العمل: أي عدم مراعاة منهجيّة كتابة البحوث العربيّة والاطّلاع عليها...
وقد عبّر الأستاذ المحاضر عن مشكلة الوضع للمصطلح
اللّساني بمثال يدعم رأيه وهو تعدّد ترجمات كتاب دي سوسير الذّي تمّت ترجمته إلى
العربيّة خمس مرّات، وكلّ ترجمة تحمل عنوان يختلف عن باقي التّرجمات الأخرى رغم
اتّفاق العرب سنة 1978 في مؤتمر في تونس على استعمال مصطلح
"اللّسانيّات" لكن هذا الاتّفاق بقي حبرا على ورق وهذا بسبب فرديّة
عمليّة التّرجمة وانعدام التّنسيق بين الباحثين العرب، وكان من الممكن الاتّفاق
على عنوان واحد لهذا الكتاب مدام لديه عنوانا واحدا يقابله باللّغة الأجنبيّة، كما
أنّ الاختلاف لم يقتصر على تسمية هذا العلم بل تعدّاه للمنظومة الاصطلاحيّة
المكوّنة لهذا العلم، وقد تتبّع الأستاذ المحاضر ترجمة مصطلحات سوسير الّتي سبق
ذكرها معتبرا إيّاها دعائم الدّراسة اللّسانيّة المعاصرة، وكونها نقطة انطلاق معظم
المدارس والاتّجاهات اللّسانيّة والأسلوبيّة والسّيميائيّة، شمل هذا التّتبّع ستّة
كتب لسانيّة هي: المعجم الموحّد لمصطلحات اللّسانيّات بإشراف الدّكتور عبد الرحمن
الحاج صالح، وقاموس اللّسانيّات لعبد السلام المسدّي، وكتاب الألسنيّة علم اللّغة
الحديث لميشال زكريا، وكتاب اللّسانيّات العامّة الميسّرة لسليم بابا عمر، وكتاب
محاضرات في الألسنية العامّة لسوسير ترجمة يوسف غاري، وكتاب في الألسنيّة العامّة
لسوسير ترجمة صالح قرماجي وآخرون، فلاحظ أنّ هذه المصطلحات تكاد تكون من الجهة
العربيّة متناقضة لأنّ الطّالب الّذي يريد
أن يتعلّم هذا العلم وهو لا يعرف المصطلح الأجنبي يجد أزمة في فهم العلوم
ومصطلحاتها نتيجة عدم اتّفاق الباحثين والعلماء على بنك مصطلحي عربي موحّد ــــ
رغم أنّه لا مشاحة في المصطلح ــــ، كما أشار الأستاذ إلى فكرة حلّ إشكاليّة
المصطلح للمتعلّم بوضع المصطلح العربي في مقابل المصطلح الأجنبي حتّى يتمّ فهم
المصطلح المقصود ولا يتمّ ذلك إلّا عن طريق تعليم الأطفال اللّغات الأجنبيّة قصد
دراسة العلوم بلغتها الأصليّة لفهم هذه المصطلحات وكذا التّأليف الأفضل والسّليم
في اللّغة المترجم إليها؛ لأنّه حسب رأي ــــ الأستاذ المحاضر ــــ أن أسباب تعدّد
المصطلحات يعود إلى المترجم في حدّ ذاته وجهله بالمعرفة المنقولة، واختلاف المدارس
العربيّة، وانعدام الهياكل النّظاميّة اللّتي تدعو إلى توحيد المصطلح، كما يمكن أن
يكون مشكل تضارب المصطلحات واختلافها مرتبطا بترجمة المصطلحات الغربيّة، وقد ضرب لنا
الأستاذ المحاضر أمثلة عن تجارب خاضها في بعض البلدان العربيّة في مجال المصطلح
والتّرجمة...
ختم الأستاذ
محاضرته بقوله: هكذا نلاحظ الاختلاف والتّباين في ترجمة عدد يسير من المصطلحات
الّتي تعدّ العمود الفقري للّسانيّات والّتي انبنت عليها جلّ المدارس والاتّجاهات
اللّسانيّة، ويعود هذا التّباين في نظرنا لأسباب عديدة ومتنوّعة منها ما يعود إلى
المترجم نفسه الّذي يفترض فيه أن يكون ملمّا باللّغتين المنقول منها والمنقول
إليها من جهة وبالمحتوى العلمي الّذي هو بصدد ترجمته من جهة أخرى وهو ما أكّده
الجاحظ في قوله: "ولابدّ للتّرجمان أن يكون بيانه في نفس التّرجمة في وزن
علمه في نفس المعرفة وينبغي أن يكون أعلم النّاس باللّغة المنقولة والمنقول إليها
حتّى يكون فيهما سواءً وغاية وكلّما كان الباب من العلم أعسر وأضيق والعلماء به أقلّ
كان أشّد على المترجم وأجدر أن يخطئ فيه، ولن تجد البتّة مترجما يفي بواحد من
هؤلاء من العلماء". ومنها ما يعود إلى اختلاف المدارس العربيّة من مشرقيّة
ومغربيّة وتونسيّة وجزائريّة ومنها ما يعود إلى انعدام هياكل وإطارات نظاميّة تسهر
على توحيد المصطلح ونشره في العالم العربي، ومنها إلى نقص العلاقات والتّبادل بين
المترجمين والمهتمّين بالدّراسات اللّسانيّة في العالم العربي إن لم نقل انعدامها.
في نهاية المحاضرة قدّمت مديرة المحاضرة بعض
الأسئلة للأستاذ المحاضر وتمّت الإجابة عنها. وانتهت المحاضرة بتوفيق من اللّه.
تعليق