بيت اللسانيات بيت اللسانيات

آخر الأخبار[cards]

جاري التحميل ...

تعليق

الطلاقة اللغوية والقدرة على ارتجال الكلا | تقرير

 الملخص 

تهدف هذه الدراسة إلى تقديم تقرير علمي لمحاضرة ألقاها الدكتور محمد بلحسن عبر بث مباشر بعنوان "الطلاقة اللغوية والقدرة على ارتجال الكلام". اعتمدت منهجية الدراسة على تحليل محاور المحاضرة بعين لغوية تربوية، دون تحريف أو حذف أو اجتزاء. تناولت المحاضرة تعريف الطلاقة والارتجال، وآلات التدريب، والجوانب النفسية والثقافية، والانتماء العربي للخطابة. تبين أن الطلاقة ليست مجرد سرعة كلام، بل هي إنتاج معبّر متوازن، وأن الارتجال مهارة قابلة للتدريب. يمكن الطلبة والخطباء والسياسيون والمربون أن يستفيدوا من هذه التقرير في تنمية قدراتهم التعبيرية. توصي الدراسة بتضمين تمارين ارتجالية منظمة ضمن برامج تعليمية، وإنشاء أندية نقل خطابية، وإجراء بحوث تجريبية تقيس أثرها في الواقع التربوي.

الكلمات المفتاحية: الطلاقة اللغوية – ارتجال الكلام – التعبير الشفهي – الخطابة – تدريب لغوي – الهوية الثقافية.

المقدمة

تُعد الطلاقة والارتجال من أعمدة الأداء الشفهي المؤثر. فالطلاقة، التي تمكّن المتكلم من التعبير السلس الواضح، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالارتجال – وهو القدرة على توليد خطاب لحظي متوازن ومؤثر. وإذا ما غابت الطلاقة، فإن الارتجال يتحوّل إلى لغة مترهلة أو متعثرة، بعيدة عن المقصود. في هذا السياق، قدّم الدكتور محمد بلحسن محاضرته عبر بث مباشر في اليوتيوب، مزيجًا من النظرية والتطبيق، مؤكدًا أن الطلاقة ليست موهبة فطرية فحسب، بل مهارة مكتسبة، وأن الارتجال ليس هفوة أو تهورًا، بل نتيجة تدريب واعٍ ومخزون لغوي قوي.

تناولت الدراسة الحالية تحليل هذه المحاضرة بنظرة لغوية ونفسية وتربوية؛ مستعرضة جل مثال وتمرينة تم تقديمها، بغرض تقديم تقرير علمي دقيق لما ورد في المحاضرة

المحور الأول: تحديد المفهوم وأهميته

افتتح الدكتور بلحسن محاضرته بطرح جملة من التساؤلات المحورية، من بينها:

كيف يمكن للمرء أن يتحدث بطلاقة؟

لماذا نجد بعض الناس – رغم ثقافتهم العالية – لا يستطيعون التحدث بيسر أو ارتجال جيد؟

ما الأسباب التي تجعل خطيبًا أو معلمًا أو محاضرًا يتلعثم أو يكرر نفسه أو يفقد تماسكه الكلامي؟

وانطلق من هذه الأسئلة لتأطير الطلاقة اللغوية بوصفها قدرة مركبة تنبع من مزيج من المهارات الذهنية والنفسية واللغوية، وتُمكّن المتحدث من التعبير عما يجول في نفسه دون تردد أو توقف طويل أو اضطراب في ترتيب الأفكار.

وأكد أن هذه المهارة ليست فطرية فقط، بل يمكن تعلمها وتدريبها، وأن اللغة – كأداة للتواصل والتفكير – تتطلب تراكما معرفيا وتدريبا وظيفيا وتواصلا مستمرًا.

المحور الثاني: أسباب ضعف الطلاقة

انتقل الدكتور بلحسن إلى تحليل أبرز أسباب الضعف في الطلاقة اللغوية، وقسّمها إلى مستويات متعددة، منها:

الضعف المعجمي: حيث يفتقر المتحدث إلى رصيد لغوي كافٍ يُمكّنه من التعبير عن المعاني بدقة وسرعة.

الخلل في التنظيم الذهني: إذ لا يستطيع البعض ترتيب الأفكار في ذهنه، مما يُربكه أثناء الأداء.

التوتر والانفعال النفسي: فالخوف من الجمهور، أو رهبة الموقف، أو ضعف الثقة بالنفس، كلها تؤثر في سلاسة التعبير.

قلة المران: من لا يمارس الحديث، ولا يشارك في الحوارات أو المجالس العلمية أو التفاعلية، فإن لسانه يضعف، وإن كان قوي الفكر.

الخلط بين الكتابة والشفهية: فقد يكتب الشخص بأسلوب رفيع، لكنه لا يحسن أداءه شفهيًا، لأن الأداء الشفهي يختلف في طبيعته عن التعبير الكتابي، وله قوانينه وإيقاعه الخاص.

الاعتماد على حفظ الجمل الجاهزة: مما يجعل المتحدث محدودًا في نطاق ما حفظه، وغير قادر على التفاعل الفوري مع المتغيرات أو المداخلات.

الازدواجية اللغوية: حيث يواجه بعض الطلبة أو الخطباء صعوبة في اختيار المستوى اللغوي المناسب (فصيح – عامي – وسط)، ما يؤثر على وضوح الرسالة أو سلاسة الأداء.

بناء الطلاقة والقدرة على الارتجال

أولًا: شروط الطلاقة الناجحة

أوضح الدكتور محمد بلحسن أن الطلاقة اللغوية لا تتعلق فقط بالكلمات المنطوقة، بل تشمل جملة من القدرات المتكاملة، منها:

امتلاك الرصيد المعرفي والمعجمي: لا يمكن أن يكون المتحدث طليقًا إذا لم يكن ذا مخزون معرفي واسع ومتنوع، خصوصًا في مجال اهتمامه أو تخصصه، إذ إن اللسان لا ينطق بما لا تعرفه الذاكرة أو العقل.

التفكير المنظم: لابد من القدرة على بناء الأفكار منطقيًا وترتيبها في الذاكرة قصيرة المدى لتظهر من الفم بسلاسة. الارتجال ليس مجرد تدفق لغوي، بل هو بناء لحظي للأفكار في سياقها المناسب.

التدريب الصوتي واللفظي: أشار الدكتور بلحسن إلى أهمية "ترويض اللسان" من خلال القراءة الجهرية، وتمارين النطق، وتكرار المقاطع الصعبة، والتعوّد على المخارج السليمة.

تحرير النفس من الخوف والتوتر: كثير من الأشخاص – رغم امتلاكهم للرؤية والفكرة – يفشلون في التعبير لوجود حواجز نفسية مثل الخوف من التقييم أو الاستهزاء أو الوقوع في الخطأ.

التمرّن على التفاعل اللحظي: الطلاقة لا تُبنى فقط في بيئة هادئة مغلقة، بل في مواقف تفاعلية حقيقية تفرض على المتحدث الاستجابة لما هو جديد ومفاجئ وغير متوقع.

الانخراط في المواقف الكلامية: المشاركة في المحافل والمجالس والمنتديات والندوات والحوارات يفتح للمرء مجالًا لاكتساب مرونة لغوية ومهارية يصعب اكتسابها من خلال القراءة فقط.

ثانيًا: الذكاء اللغوي والقدرة على الارتجال

ربط الدكتور بلحسن بين الطلاقة و"الذكاء اللغوي"، وهو أحد أنواع الذكاء التي نظّر لها "هوارد غاردنر" في نظرية الذكاءات المتعددة. ويتجلى هذا الذكاء في:

سهولة تركيب الجمل والتعابير.

القدرة على استخدام الاستعارات والتشبيهات في المواقف المرتجلة.

توظيف المهارات البلاغية والتعبيرية حسب المقام.

التحكم في الإيقاع والصوت والطبقة والنغمة.

وأشار المحاضر إلى أن الارتجال – وإن بدا عفويًا – هو في الواقع نتاج تراكم لغوي وتعبيري طويل المدى، يتمثل في سرعة الوصول إلى المفردة المناسبة في اللحظة المناسبة، وسلاسة بناء العبارة دون تكرار أو توقف.


ثالثًا: مهارات إجرائية لتحسين الطلاقة

قدم الدكتور بلحسن مجموعة من التمارين والنصائح العملية التي يمكن الاستفادة منها لتحسين الطلاقة والقدرة على الحديث الارتجالي، منها:

القراءة الجهرية اليومية: خصوصًا لكتب ذات أسلوب فصيح مشرق، مثل كتب الجاحظ أو ابن المقفع أو نصوص الخطباء والمفكرين العرب المعاصرين.

تلخيص المقالات والكتب شفهيا: بحيث يُطلب من المتدرّب أن يقرأ نصًّا ثم يعرضه ارتجالًا أمام مجموعة أو أمام الكاميرا.

محاكاة الخطباء أو المتحدثين: مثل مشاهدة خطبة أو محاضرة ثم محاولة إعادة تقديمها بأسلوب خاص، لتدريب عضلات التعبير والتفاعل مع السياق.

المشاركة في النقاشات المفتوحة: سواء كانت علمية أو ثقافية أو اجتماعية، فمثل هذه المواقف تجبر المتحدث على استدعاء رصيده بسرعة.

التدريب على الإجابة اللحظية: مثل أن يُسأل سؤالًا غير متوقع ويطلب منه الرد فورًا، مما ينمي سرعة التفاعل الذهني والتعبير اللفظي.

التطبيقات العملية للطلاقة وأثرها

أولًا: مشاهد من الواقع

قدّم الدكتور محمد بلحسن أثناء المحاضرة مجموعةً من المشاهد الواقعية التي توضح أثر الطلاقة اللغوية في حياة الإنسان، وخصوصًا في المجالات التالية:

المجال التربوي: المدرس الذي يتمتع بطلاقة لغوية وقدرة على الارتجال يصبح أكثر قدرة على إيصال المعلومة، وتحقيق التفاعل مع الطلاب، وتفسير المفاهيم الصعبة بأمثلة حية. وبهذا المعنى، تصبح الطلاقة أداةً بيد المربي لإحياء المعرفة في وجدان الطالب لا مجرد تمريرها.

المجال الدعوي والخطابي: أشار المحاضر إلى أن الواعظ أو الخطيب الذي لا يملك هذه الطلاقة يفقد السيطرة على انتباه المستمعين، بل وربما يتحول كلامه إلى طنين مملّ. بينما الخطيب الطليق قادر على تطويع الألفاظ، والاستشهاد، والانتقال من موضوع إلى آخر بانسياب مؤثر.

المجال القيادي والإداري: المسؤول أو القائد الذي لا يُحسن الكلام المرتجل يفقد الهيبة والقدرة على التأثير في قرارات الآخرين، في حين أن القائد المتكلم يستطيع حشد الدعم وتحقيق الإقناع، والتواصل الفعال مع مختلف الفئات.

المواقف الاجتماعية: حتى في المواقف الاجتماعية العامة (كالزيارات، والمناسبات، واللقاءات العامة) فإن الطلاقة تضفي على الشخص جاذبية خاصة، وتجعله محبوبًا ومسموع الكلمة، وقادرًا على التكيف في كل مقام.


ثانيًا: مهارات صناعة الأثر اللحظي

استعرض الدكتور بلحسن في محاضرته أدوات فاعلة في جعل الكلام المرتجل مؤثرًا:

الافتتاح المثير: أن تبدأ الحديث بجملة تشد السامعين مثل سؤال محفز، أو عبارة ذات وقع بلاغي.

النبرة الصوتية: التحكم في طبقات الصوت بحيث تعبر عن المعنى، وليس مجرد قراءة جافة.

حسن الانتقال بين الأفكار: تجنب التكرار، واستعمال أدوات الربط الذكية، والانتقال بسلاسة.

الاستشهاد الفعال: الإتيان بآية أو حديث أو بيت شعر أو مثلٍ أو قول مأثور يعزز الرسالة.

حضور البداهة: التعامل مع أي طارئ (مقاطعة – نسيان – خطأ غير مقصود) برشاقة لغوية.

وأشار في هذا السياق إلى أن الطلاقة ليست في كثرة الكلام، بل في جودة المضمون وحيوية الإلقاء. فكم من متكلم يطيل الحديث دون أن يقول شيئًا ذا أثر، وكم من طليق اللسان ينقل السامعين من مقام إلى مقام بلذة وجمال.

ثالثًا: أساليب التغلب على العوائق

من المهم في بناء الطلاقة أن يتم التعامل مع العوائق النفسية والمهارية، وأهمها:

الخوف من الوقوع في الخطأ: وقد نبّه الدكتور بلحسن إلى أن المتكلمين المؤثرين لا يخشون الأخطاء، بل يتجاوزونها بمرونة، فليس المطلوب الكمال وإنما الحضور العقلي والبلاغي.

ضعف الثقة بالنفس: الطلاقة ترتبط بالثقة، ولا يمكن للمرء أن يبدع وهو يعيش التردد والشك في قدراته، ولهذا من الضروري ممارسة الإلقاء في أوساط داعمة وآمنة.

فقر المعجم اللغوي: من لا يقرأ ولا يستمع للغة الرفيعة لا يمكن أن يطوّر طلاقته، فاللغة لا تُخلق من الفراغ، بل تُكتسب من خلال التعرّض المتكرر لمصادر أصيلة.

الطلاقة اللغوية وتكوين الشخصية

أولًا: الطلاقة مرآة للشخصية

طرح الدكتور محمد بلحسن فكرة محورية مفادها أن الطلاقة اللغوية لا تقتصر على مهارة في اللسان فحسب، بل تدل على عمق الشخصية ونضجها، فالمتحدث الذي يُحسن التعبير المرتجل:

يكشف عن اتزان نفسي وقدرة على التفكير السريع.

يعكس ثقافة واسعة، واطلاعًا متنوعًا، وحضورًا ذهنيًا فوريًا.

يتمتع بقدرة على قيادة الحوار وتوجيهه، والتأثير في الآخرين.

وأشار المحاضر إلى أن الطلاقة المرتجلة تعكس التكوين الداخلي للفرد، فهي تبني الثقة بالذات، وتدرب على تحمل المسؤولية اللغوية أمام الجمهور.

ثانيًا: التوصيات العملية لتقوية الطلاقة

ختم الدكتور محمد بلحسن محاضرته بعدد من التوصيات التطبيقية التي تساعد في تعزيز الطلاقة اللغوية والارتجال البليغ، من أبرزها:

القراءة النوعية المنتظمة: القراءة الجيدة ترفع الرصيد اللغوي والمعرفي، وتمنح القارئ قدرة على التعبير الراقي.

الاستماع للخطباء والبلغاء: فمحاكاة أهل الطلاقة والتأمل في أساليبهم يُنمي الحاسة البلاغية، ويثري الأداء الصوتي والإلقائي.

المشاركة في الأنشطة الخطابية: مثل النوادي الأدبية، أو جلسات النقاش، أو حلقات الإلقاء الشعري، وهي تُصقل اللسان وتُكسب الخبرة.

التدرّب اليومي على التحدث أمام المرآة: تدريب الذات على التحدث في مواضيع مختلفة يوميًا، يطوّر القدرة الارتجالية ويزيل التوتر.

حفظ النصوص الأدبية والشرعية المختارة: إذ تُعدّ مرجعًا ذهنيًا جاهزًا عند الحاجة، وتُثري التعبير وتُجمل الخطاب.

ثالثًا: تأملات ختامية في خطاب الدكتور بلحسن

في ختام المحاضرة، عبّر الدكتور محمد بلحسن عن قناعته العميقة بأن الطلاقة ليست ترفًا ثقافيًا، بل هي حاجة وجودية في زمنٍ يضجُّ بالتواصل، إذ لم تعد الكفاءة اللسانية أمرًا نخبويًا، بل صارت وسيلة للفرد للتعبير عن نفسه، والدفاع عن أفكاره، والتفاعل مع العالم المحيط به. وقدّم خلاصة موجزة فقال: "أنتَ لغتك، فإن ارتقيت بها ارتقيت، وإن بُهِتَّ فيها، تراجع حضورك وانطفأ بريقك."

 تقييم نقدي للمحاضرة

الإيجابيات:

ثراء المحتوى: المحاضرة جمعت بين الجانب النظري والتطبيقي، مع أمثلة واقعية مأخوذة من محيطنا العربي.

الأسلوب الشيق: الدكتور بلحسن وظّف أسلوبًا حيًّا غير تقليدي، مما منح المحاضرة طابعًا ديناميكيًا.

التأصيل الشرعي والثقافي: الاستشهاد بالقرآن والسنة، وربط الموضوع بالتراث العربي، منح المحاضرة عمقًا حضاريًا.


الملاحظات:

غياب التصنيف العلمي الدقيق للطلاقة: لم يقدّم المحاضر تصنيفًا علميًا للأنواع المختلفة للطلاقة (بيانية، جدلية، سردية...)، وهو أمر مهم أكاديميًا.

ضعف الإحالة إلى مراجع حديثة: لم يُشر إلى دراسات لسانية معاصرة أو نماذج من علم اللغة النفسي/التواصلي تدعم الطرح.

قلة التنوع في الأمثلة الدولية: اقتصرت الأمثلة على السياق العربي، وكان يمكن تعزيز الرسالة بأمثلة من مجتمعات متعددة.

 خاتمة

جاءت محاضرة الدكتور محمد بلحسن بعنوان "الطلاقة اللغوية والقدرة على ارتجال الكلام" لتسلّط الضوء على واحدة من أهم المهارات المعرفية والعملية في حياة الإنسان المعاصر. وقد قدّمت مزيجًا ثريًا من التأصيل، والتطبيق، والتحفيز، مما يجعلها مادة تربوية مفيدة لكل معلم، وداعية، ومفكر، وكل راغب في امتلاك ناصية البيان.


إعداد: مصطفى إبراهيم شعيب






عن الكاتب

بيت اللسانيات | Bitlisaniyat

التعليقات


اتصل بنا

من أجل البقاء على تواصل دائم معنا ، قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في موقعنا ليصلك كل جديدً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

بيت اللسانيات