نقد النقد الأدبي من أجل منهج إبستيمولوجي
تقرير: الأستاذة مريم علاوي
نظم فريق اللسانيات والإنسانيات بأكاديمية بيت اللسانيات الدولية (تركيا) محاضرة علمية موسومة بـ: "نقد النقد الأدبي من أجل منهج إبستيمولوجي"، من إلقاء: الدكتور عبد الواحد المرابط، أستاذ التعليم العالي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء المغرب. وإدارة: الأستاذ محمد القدوري، وإشراف وتنسيق: الأستاذ مولاي عبد الرحمن شريفي علوي.
في بداية اللقاء رحبت إدارة اللقاء بالدكتور والكاتب المحاضر، وقدمت موجزا عن سيرته العلمية الزاخرة، مشيرا إلى انشغالاته العلمية ومؤلفاته الفردية والجماعية، إلى جانب مجموعة من الترجمات والمقالات والبحوث. لينتقل للحديث عن عنوان المحاضرة، ذاكرا أبرز المحاور الرئيسية التي سيتطرق لها الدكتور المحاضر وهي:
1-المنهج الإبستيمولوجي في نقد النقد الأدبي.
2-أبعاد النقد الأدبي، والوظائف التي ينهض عليها.
3-الوظيفة الإبستيمولوجية في نقد النقد.
بعدها أعطت إدارة اللقاء الكلمة للضيف المحاضر الذي عبر عن سعادته وامتنانه وشكره لجميع أعضاء فريق اللسانيات والإنسانيات بأكاديمية بيت اللسانيات الدولية، وعلى رأسهم مشرفها العام الدكتور مروان السكران. تحدث أولا عن مجالات واهتمامات مؤلفاته ومقالاته العلمية. وأشار إلى أن المحاضرة تأخذ مادتها من كتاب صدر مؤخرا يحمل عنوان "نقد النقد الأدبي من أجل منهج إبستيمولوجي".
قسم الدكتور المرابط محاضرته إلى:
أولا: تقديم حول الأدب والنقد ونقد النقد.
ثانيا: أبعاد النقد الأدبي، مركزا على بعد واحد وهو: البعد العلمي في النقد الأدبي.
ثالثا: نقد النقد الأدبي، مركزا على الوظيفة الإبستيمولوجية.
رابعا: خلاصة.
في التقديم تحدث عن الأدب باعتباره لا يتحدد بشكل مطلق، بل يتحدد بل يتحدد بمحددات الحقل الأدبي أو المؤسسة الأدبية بصفتها مجموعة من المعايير والقيم والتقاليد التي تضفي على النصوص طابع الأدبية، وترسم لها موقعها ضمن خطابات المجتمع وسيرورته. فلا يمكن أبدا تعريف الأدب إلا من خلال تصور معين لهذا الأدب.
أما النقد لا يمكن أن يكون إلا انطلاقا من رؤية عامة، وتكون هذه الرؤية ظاهرة أو خفية، واعية أو غير واعية، وهي بالضرورة رؤية ميتا نقدية مركبة تستوعب الأدب ونقده.
يسعى الدكتور إلى تمثل مفهوم النقد وماهيته من خلال تصورين متراكبين:
الأول: يتعلق بفهم النقد الأدبي وتحديد أبعاده.
الثاني: يتعلق بضبط إطار نقد النقد الأدبي ورسم وظائفه.
هذا التصور المركب سيؤدي إلى تقديم تصور منهجي شامل حول النقد وحول نقد النقد.
في المحول الأول: أبعاد النقد الأدبي: ركز الدكتور على الأبعاد الآتية:
أكد بداية على أن جل تعريفات النقد رغم اختلافها تلتقي في أنها تجعل من النقد خطابا موضوعه الأدب. وبعد تجميع هذه تعريفات المتعلقة بالنقد نتوصل إلى أبعاد ثلاثة وهي:
البعد الأول: البعد الذاتي: كل عمل نقدي إلا ويتضمن قدرا من التقمص الذاتي، يتمثل فيما يبديه الناقد من انطباعات أو أحكام ذاتية أو مواقف أو آراء اتجاه الأدب الذي يدرسه. وقد ظل هذا البعد ملازما للممارسة النقدية، يحضر بطريقة أو بأخرى.
ويري المحاضر أن النقد الأدبي لا يسير في اتجاه واحد وإنما تكتنفه ممارسات متنوعة ومتباينة، منها التي تجنح به نحو المتعة الأدبية الحرة، ومنها التي تنفعه نحو تأريخ النصوص ورسم سياقاتها، ثم منها تلك التي توجهه نحو انتاج نظريات الأدب.
البعد الثاني: البعد التاريخي: يتمثل في ربط الموضوع الأدبي المدروس بسياق قائم أو مفترض يكون عبارة عن مرحلة تاريخية مثلا أو اتجاه أدبي أو مدرسة فنية أو قضايا اجتماعية...، فكل ناقد يوظف الأدب توظيفا تاريخيا بشكل أو بآخر.
البعد الثالث: البعد العلمي: كل عمل نقدي وإلا ويتضمن بعدا علميا، فهو يتجلى في مختلف العمليات المنهجية التي يقوم بها الناقد والتي ترمي إلى تحويل المعطيات الأدبية النصية إلى مقولات نظرية.
هذه الأبعاد الثلاثة ملازمة للنقد الأدبي تتحرك بدرجات متفاوتة داخل الممارسة النقدية.
وانتقل بعد ذلك إلى المحور الثاني: البعد العلمي في العمل النقدي: بعد تتبع العديد من الآراء نجد أنها تعترف عموما رغم اختلافاتها بوجود عناصر علمية في مجال النقد والنظريات الأدبية، غير أن هذه الآراء تتحفظ فيما يتعلق باختبار صلاحية هذه النظريات الأدبية.
توصل الدكتور إلى أن النقد الأدبي قد يتضمن جوانب أدبية إبداعية يقتضيها بعده الذاتي، كما قد يتضمن جوانب تفسيرية وتأويلية وزمنية يفرضها بعده التاريخي، لكنه يتضمن أيضا عناصر تحدد اشتغاله العلمي، والذي يظهر في وجود المنهج والمفاهيم.
أما المحور الثالث: نقد النقد: فهو خطاب حول النقد ذاته، موضوعه النقد وليس الأدب، وهو لغة من الدرجة الثالثة، يفحص طبيعة العلاقة بين النقد وعلاقاته الثلاثة:
علاقة النقد بالأدب.
علاقة النقد بالتاريخ.
علاقة الأدب بالعلم.
مشيرا إلى أبرز الجهود التي تناولت موضوع نقد النقد سواء على المستوى العربي أو المغربي أو الغربي والتي استفاد منها الدكتور، ومن أهمها: جهود كل من: حميد الحميداني، نبيل سليمان، جابر عصفور، عبد السلام المسدي....
ويرى الدكتور أن نقد النقد له ثلاث وظائف يضطلع بها وهي:
الوظيفة الحوارية: تتجلى حين يكتب ناقد خطابا نقديا حول الأدب، فيأتي ناقد آخر يدرس ذلك الخطاب النقدي، ولكن انطلاقا من فهمه وتمثله الخاص لذلك الأدب المدروس.
الوظيفة التاريخية: تتجلى عندما يضع ناقد النقد العمل النقدي المدروس في إطار فكري أو إيديولوجي محدد، ضمن حقبة تاريخية.
الوظيفة الإبستيمولوجية: تكمن في التركيز على الجانب العلمي والنظري للعمل النقدي.
فهذه الوظائف الثلاث تحضر دائما في كل عمل ميتا نقدي.
كما تطرق الدكتور إلى العديد من القضايا المرتبطة بالناقد، وحاول تسليط الضوء عليها من بينها:
أكد على أن ممارسة الوظيفة الإبستيمولوجية لا ينبغي أن يكون بطريقة عشوائية، وإنما انطلاقا من مرتكزات معرفية ومنهجية وأدوات إجرائية ومفاهيم....
نحاكم الناقد انطلاقا من أهدافه ومنطلقاته ومستنداته النظرية وعملياته النقدية ونتائجه
ناقد النقد حين يكون إبستيمولوجيا ينبغي أن يتوسل في دراسته للأعمال النقدية بمفاهيم الإبستيمولوجية وأدواتها.
ينبغي أن يكون الناقد منظما، وله حس تنظيمي واضح.
للناقد أهداف وغالبا ما تكون إما أهدافا معرفية أو أهدافا منهجية وأحيانا نجدهما معا في العمل النقدي الواعد.
المستندات المنهجية والنظرية التي يعتمدها الناقد.
منطلقات الناقد وفرضياته هي النواة الصلبة للعمل النقدي.
على الناقد أن يقدم عمليات نقدية تجسد تلك الأهداف والمنطلقات والمستندات...
وختم المحاضر محاضرته بالدعوة إلى الاطلاع على كتابه "نقد النقد الأدبي من أجل منهج إبستيمولوجي" خاصة وأنه قدم فيه تصورا منهجيا واضحا لما أشار إليه سابقا.
بعدها انتقلت إدارة اللقاء إلى طرح مجموعة من الأسئلة التي قدمها المتابعين من خلال تفاعلاتهم مع المحاضرة، وحاول الدكتور المحاضر أن يجيب عنها بشكل من التفصيل والتوضيح الكافي. لينتهي اللقاء بكلمة أخيرة للدكتور متمنيا أن يكون اللقاء قد حقق فائدته.
ليسدل الستار على هذه المحاضرة العلمية الماتعة على الساعة 23:40 بتوقيت غرينتش، 02:40 بتوقيت مكة.
تقرير: الأستاذة مريم علاوي (عضو الأكاديمية)
تعليق