كتاب "الدلالة والحجاج" لأحمد المتوكل

صدر كتاب "الدلالة والحجاج" لأول مرة عام 1985، ويُعد هذا العمل الأول للعالم اللغوي المغربي أحمد المتوكل. يشكل هذا الكتاب نقطة انطلاق لفكره اللساني الوظيفي، والذي طوره لاحقًا ليصبح من أهم المدارس اللسانية الحديثة في العالم العربي. يتناول الكتاب مسألة الدلالة (المعنى) في اللغة، وكيف ترتبط هذه الدلالة بالحجاج (الإقناع) في الخطاب اللغوي. الكتاب يدمج بين الدراسات اللسانية الحديثة والنظريات البلاغية التقليدية، مما يجعله عملاً رائدًا في الربط بين الأصالة والمعاصرة في التحليل اللغوي.

محتويات الكتاب:  

يتألف الكتاب من مجموعة من الفصول التي تناقش موضوعات متنوعة حول الدلالة والحجاج في اللغة العربية. يعتمد المتوكل على مفهوم أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتعبير عن المعاني، بل هي أيضًا أداة لتحقيق أهداف تواصلية، منها الإقناع والحجاج. يحلل المتوكل العلاقة بين بناء الجملة من جهة والدلالة والحجاج من جهة أخرى، ويستفيد من بعض المفاهيم اللسانية الغربية مثل التحليل التداولي ليطور أفكاره حول الدلالة الحجاجية.

الدلالة في اللغة:  

   يبدأ المتوكل كتابه بشرح مفهوم الدلالة في اللغة وكيف تُفهم المعاني من خلال التراكيب اللغوية. يناقش دور النحو والدلالة في بناءح المعنى، مستعرضًا مجموعة من الأمثلة من اللغة العربية، سواء من القرآن الكريم أو الشعر العربي القديم. كما يركز على كيفية تأثير السياق في تحديد المعنى.

   

الحجاج في الخطاب:  

   في القسم الثاني من الكتاب، ينتقل المتوكل إلى موضوع الحجاج. يعتبر الحجاج جزءًا مهمًا من الخطاب اللغوي، حيث يستخدم المتحدث اللغة لإقناع المستمعين أو التأثير عليهم. يوضح المتوكل كيف تُبنى الحجة اللغوية من خلال استخدام أدوات نحوية ودلالية معينة، مثل الروابط الحجاجية (لأن، لكن، إذا، إلخ). يستفيد المتوكل هنا من نظريات الحجاج الغربية، خاصة تلك المرتبطة بـ "نظرية الأفعال الكلامية" لجون سيرل.

التكامل بين الدلالة والحجاج:  

   يُظهر الكتاب بوضوح كيف يتكامل الدلالة والحجاج في الخطاب اللغوي. الدلالة تمثل المعنى الذي يحمله النص، بينما الحجاج هو الأسلوب الذي يُستخدم للتأثير على المتلقي. يقدم المتوكل نماذج تحليلية لفهم هذا التكامل في النصوص العربية القديمة، مستفيدًا من التراث البلاغي واللساني العربي.

أهمية الكتاب:  

يُعد "الدلالة والحجاج" من الكتب الرائدة في العالم العربي التي تناولت الحجاج من منظور لساني حديث. أحمد المتوكل جمع في كتابه بين المعرفة التقليدية في البلاغة العربية وبين الأسس اللسانية الحديثة، مما جعله مساهمة قيمة في مجال تحليل الخطاب. بالإضافة إلى ذلك، كان هذا الكتاب الأساس الذي بنى عليه المتوكل لاحقًا نظرية النحو الوظيفي، التي أصبحت إحدى المدارس اللسانية المهمة في العالم العربي.

تحليل نقدي:  

رغم أن الكتاب قدّم مفاهيم جديدة في التحليل اللغوي العربي، إلا أن بعض النقاد يرون أن اعتماده على النظريات الغربية قد يتطلب المزيد من التكييف مع خصوصيات اللغة العربية. كما أن التحليل التداولي الذي استخدمه المتوكل يحتاج في بعض الأحيان إلى توضيح أكثر من حيث التفاصيل العملية عند تطبيقه على النصوص العربية القديمة.

الخاتمة:  

يُعتبر كتاب "الدلالة والحجاج" لأحمد المتوكل إضافة نوعية للمكتبة اللسانية العربية، حيث يفتح الباب لفهم أعمق للعلاقة بين المعنى والإقناع في الخطاب. الكتاب مثالي للباحثين في مجالات اللسانيات، تحليل الخطاب، والدراسات البلاغية، لما يحتويه من أفكار جديدة وتحليلات مستندة إلى الأطر الوظيفية والتداولية.